«لم تعد لديَّ أحلام، صارت لديَّ مهامُّ».
مجرد ألم
نبذة عن الكتاب
أراقب ابنتي الآن وهي ترقص على موسيقى روسيَّة كلاسيكيَّة، تقف على أصابع قدميها، تدور حول الأشياء وتسمح للأشياء بالدخول في دائرتها، تشهق وتزفر، تطير وتهبط، تلتصق بشريكها، يرفعها إلى أعلى، يلتصق فخذها بفخذه كما لو كانا قطبَي مغناطيس، يمد يده إلى شعرها الأسود المجعَّد، يفكُّ شريطته الورديَّة ويُطلِقه، بعصًا رفيعةٍ لا تسمح للشريطة أن تسقط على الأرض، ودون أن تُفسد إيقاع الرقصة تُعلِّق الشريطة على خصرها. الشريطة الزهريَّة ذاتها التي علَّقتها بولينا على خصري ذات رقصة. أنظر إلى ابنتي كما لو أنَّ الزَّمن ثابتٌ عندها بينما هي تنظر إلى الأرنب البريِّ يركض في الثلج حرًّا، يركض نحوي، أُلقِي بالعصا التي عوَّضت قدمي لمدة ثلاثين سنةً وأفتح يديَّ لمعانقته. لأوَّل مرَّة لا أشعر بألم المسمار يدقُّ في ذاكرتي. بقدمٍ واحدة أفكِّر ببولينا وأعانق الأرنب الأبيض الذي حرَّرته ابنتي. مستلقيةً على ظهري في غرفةٍ بيضاء، أخلع ملابسي والحذاء وأرتدي ملابس الكشف الطبِّي. الآلات الطبيَّة وموسيقى هادئة وطبيب لا يتكلم كثيرًا ويدندن أغنيةً لعبد الوهاب وكأنَّه في عالمٍ آخر، يلمس منطقة الألم فأتوجَّع بصوتٍ مبحوح، تعوَّدت لسنواتٍ طويلة ألَّا أصرخ من الألم لكنَّ الدموع غلبتني. أغمض عينَيَّ وأستعمل تلك الحيلة التقليدية… ولكن ابتسامة الرجل الذي ما زلت أحبه تقتحمني؛ الرجل الذي هجرني بلا سبب أو ربما لأسباب كثيرة. يقول الطبيب كلماتٍ بالفرنسيَّة وكأنَّه يشتمُ بعد أن كان يغني “خايف اقول اللي في قلبي”. … إنَّه يطلب مني أن أنظر إلى الشاشة… نظرت إلى وجهه أوَّلًا ولم أجد الابتسامة اللَّطيفة، ثم نظرت إلى الشَّاشة. كتلة لحمٍ حمراء داكنة أو زرقاء مثل لون البترول (لم أستطع تمييز الألوان) حجمها كبير وفيها تعفن… نقاط بيضاء منتشرة في كلِّ مكان، ليست نقاطًا بل دوائر، حين قرَّبها بدت لي واضحة… جروح بالطول والعرض…التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2025
- 112 صفحة
- [ردمك 13] 9789778202915
- كيان للنشر