حلق صيني لا ترتديه ماجي"…عندما يتحول العادي إلى سؤال وجودي
المبدعة ضحى عاصي ليست مجرد كاتبة تحكي القصص، بل هي صانعة عوالم، تُعيد تشكيل اليومي بحيث يصبح أكثر تعقيدًا مما يبدو عليه. في مجموعتها القصصية “حلق صيني لا ترتديه ماجي”، تضعنا أمام تناقضات الحياة التي تبدو بسيطة لكنها تحمل طبقات من المعاني، بين الأشياء التي نملكها لكن لا نستخدمها، وبين القرارات التي نأخذها أو تُفرض علينا.
السرد هنا يبدو هادئًا، لكنه يخفي تحت سطوره توترًا داخليًا، صراعًا مستترًا بين الشخصيات وذاتها، وبين ما تريده وما تواجهه. كأن القصص لا تروي أحداثًا فقط، بل تعيد تمثيل لحظات فارقة في الذاكرة، مشاهد سينمائية مكثفة، حيث تلعب التفاصيل الصغيرة دور البطولة. في بعض اللحظات، يقترب النص من الطابع التأملي، وفي لحظات أخرى يأخذ منحى ساخرًا، لكنه سخرية تشي بحزن دفين، وكأن الشخصيات تضحك على عبث العالم لكنها لا تفلت من قبضته.
ما يميز هذه المجموعة أنها لا تُقرأ بنفس الطريقة مرتين. مع كل قراءة، يظهر بعد جديد، تأويل مختلف، كأن النصوص تتشكل مع قارئها، تمنحه المساحة ليعيد ترتيبها وفق تجربته الخاصة. “حلق صيني لا ترتديه ماجي” ليست مجرد مجموعة قصصية، بل دعوة للتأمل في هشاشة التفاصيل التي تصنع حياتنا، في المسافة بين ما نراه وما نشعر به، وفي كل الأشياء التي تبدو بمتناول أيدينا لكنها تظل بعيدة.
ممتنة لهذه المجموعة، ولموهبة كاتبتها التي تمنحنا أدبًا يعيد تشكيل وعينا بالعالم، ويطرح الأسئلة دون أن يقدم إجابات جاهزة.