حدث لقارىء مصنع السكر
منذ عام ونصف تشرفت بقراءة مخطوط رواية "مصنع السكر"
للكاتب الصحفي محمد شعير، وأعجبتني للغاية لما فيها من تشويق ومعلومات ثمينة ورواية ذات حكاية تجعلنا نلهث خلفها حتى النهاية..
الغلاف شيق ضبابي بالأعلى فيه صورة داكنة لمبنى ربما هو مصنع السكر، المبنى متهدم ويخرج منه الدخان، وبأسفل الغلاف نصف وجه لامرأة ونصفها الأعلى يتماهى مع صورة المصنع.. وعلى يسار الغلاف وردة ومسدس.. بالغلاف من الخلف رسالة من"ورد" عبر الانترنت لفنان بدأت بصباح الخير وصباح الورد فكيف ستنتهي؟! ومن هما ورد السورية وهذا الفنان؟!.
إهداء حزين النبرة إلى الإنسان خاصة في مصر وسوريا.
هكذا تبدأ قصة صداقة فيسبوكية بين ورد وزياد، مصري محترف في تصميم الأغلفة غير التقليدية.. فنان متعدد العلاقات والذي لم يردعه عن هفواته سوى حظر وباء كورونا وهو حظر فعلي، وليس حظرا على الانترنت؛ الذي تلاعب بنا وببيوتنا فهدم منها ما هدم وأبقى منها ما هو آيل للسقوط.
لقاء أرواح وتخاطر وتليباثي كما تقول ورد جمعها بزياد وها هي علاقتهما تتعدى الحدود عبر شاشة الموبايل بالفيديو كول.
وتمضي بنا الرواية لنعلم الكثير والمثير عن ورد وعن زياد وحياتيهما منذ الطفولة وحتى وقتهما هذا.. ومع الوقت ومفاجآت الكاتب ولطماته للقارئ نعلم حكايات وحكايات، وحكاية "مصنع السكر".
التي جعلت مشاعرنا معها ومع مطلق الرواية تتأرجح بين الحزن والرضا لهذا العمل الشيق..
استطاع الكاتب بحرفية أن يسطر لنا مشاعر أهل سوريا المنكوبين مع ويلات حربهم، وأحزابهم، وعقائدهم، كما لو كان سوريّا حقًا وهذا يدل على أبحاث طويلة ودراسات مستفيضة حتى يتمكن من كتابة الكلمات السورية ووصف أماكن هناك، وغير ذلك كما لو كان هو من يتجول فيها كسوري أصيل.
يحب كثيرًا الكاتب الحديث بلغة الأغاني ويحدثنا عنها كثيرًا في سياق عمله، فنرى فيروز مثلًا وزياد يناجيها بعدما استمع إلى أغنية لها: "لماذا يا سيدة فيروز الأولى؟! نحب بصوتك فلماذا نفقد أيضًا به؟!"، كما أنه يضع بين أيدينا معلومات عامة بصورة مكثفة تفيدنا ولا تشعرنا بالملل مثلما حدث مثلًا في حديثه عن رواية جوروج أورويل ١٩٨٤.
يظهر الكاتب لنا لمحات من الضعف البشري، كيف يذنب المرء منا ويتوب وينوب مصليًا مستغفرًا، كيف يكون علاقات صداقة تنهدم لأسباب واهية، في حين تشتد روابط صداقة مع أحدهم بصورة غير متوقعة، كيف يحب الرجل امرأتين في آن واحد: زوجة جعلته يكره الحب، وامرأة جعلته يهيم شوقًا به. كلها لمحات ضعف وشغف سطرها الكاتب بشفافية.
يتناص محمد شعير مع بعض كلمات القرآن فيقول مثلًا على لسان زياد: "هل أتاكِ حديث أمي".
الرواية يتحدث فيها زياد وورد بالتبادل، ثم يفاجئنا صوت علياء الجمال وحكايتها مع زياد، ثم يطير بنا الكاتب إلى صوت رابع من المستقبل عام ٢٠٥٠ لشهد ابنة زياد فتكشف الستار عن أحداث شيقة تنتهي بها رواية مصنع السكر بحلاوة السكر.
شكرًا محمد شعير على هذا العمل وشكرًا ألف شكر لك لثقتك الغالية في وضعها كمخطوط بين يدي قبل نشرها، ومناقشتها معي بصورة ثرية.
#نو_ها
٣-٥-٢٣