تقديم:
بعد تجربتين سابقتين ( بردية المهاجر ) و ( دهب عم خضر ) كانتا على القدر الكافي من الجودة الادبية - بالنسبة لي - يسعدني ان اخوض تجربة جديدة مع الكاتبة مع صدور أحدث اعمالها الأدبية ( بنات سخمت ) حصرياً على تطبيق ابجد وقريباً ورقياً في معرض الكتاب القادم ان شاء الله.
---------------
ما هو اكثر شيء يجذبني لمتابعة كاتب ما بشكل مستمر ؟ ان يتمتع بالمغامرة ويسعى لتغيير جلده الأدبي مع كل عمل جديد يقدمه. لا يكون اسير نمط او خط او تصنيف روائي محدد ، على العكس يحاول الكتابة في موضوعات جديدة وغير مطروقة ويسعى للخروج من المنطقة الدافئة الآمنة بالنسبة له ولجمهوره من القراء.
هذه المرة نحن على موعد مع رحلة ادبية في اطار من الفانتازيا الفرعونية تناقش قضايا معاصرة تمسنا جميعاً بشكل او باخر.
( بنات سخمت ) قدمت صراع انساني مستمر على طول الزمان بين النقيضين - الخير والشر - الذين يحملهما الانسان اينما وجد مهما اختلف الزمان والمكان. الانسان بطبعه هو من يفتح الباب ويدعو شيطانه للدخول باريحية ثم يدعي البراءة بمجرد سقوطه في الوحل ويصارع من أجل فرصة اخرى لاصلاح ما افسده. فهل يفعل اذا ما اتيحت له الفرصة مرة اخرى ؟.
من خلال ثلاثة قصص مختلفة في الحقبة الزمنية مع اطار خيالي متمثل في فكرة تناسخ الأرواح تنتقل بنا الأحداث من مصر القديمة ، حيث الملوك والكهنة ، وصولاً لعصر السوشيال ميديا والترند ونشر الأفكار الشا،ذة والهدامة التي تهدف الى طمس الهوية وتدمير المجتمعات من خلال غلاف خارجي مُطعم بالشعارات البراقة واللامعة وباطن يحمل الدمار المؤكد.
على مدى التباين الشاسع بين ازمنة القصص المقدمة ، نجد ان الاشكاليات المطروحة لم تتغير في مضمونها حتى وان اختلفت في شكلها الخارجي تبعاً لظروف الزمان والمكان. ستجد ايثار المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة للمجتمع ككل ، الكراهية والاحقاد والطمع في ما يملكه الاخر ، تضليل الشعوب والهاؤها عن قضاياها المصيرية ، تشويه الفطرة السوية من خلال عسل الحريات الشخصية والمجتمعية وغيرها من الموضوعات ذات الصلة.
من ناحية السرد والبناء الدرامي فالرواية اشبه بمتتالية قصصية تناقش قضايا مختلفة لكنها ذات صلة وعلاقة مباشرة ببعضها البعض.
على صعيد اللغة المستخدمة فهي كعادة الكاتبة بسيطة ومباشرة وفي قلب الموضوع بلا فذلكات لغوية لا داع لها.
الشخصيات في القصص الثلاث هى تجسيد لفكرة التناسخ والوجدان الجمعي ، تتغير الأشكال والأسماء والقضايا المطروحة لكن الأساس واحد في نهاية الأمر من حيث اختيار طريقها وبالتالي مصيرها المحتوم تبعاً لارادتها الحرة.
هذه الرواية بلا نهاية محددة وهذا شيء بديهي حيث الصراع الداخلي الأبدي الذي يعيشه الانسان منذ ولادته وحتى رحيله بين شره وخيره ، نفسه الأمارة بالسوء وضميره وهو الوحيد صاحب القرار لانه خُلق بارادة حرة وعقل يُميزه عن سائر المخلوقات.
في الختام تجربة أدبية جديدة للكاتبة وذات مذاق مختلف عن سابق كتاباتها وهذا في حد ذاته نقطة تُحسب لها بكل تأكيد.