"أنا وحدي منذ فترةٍ طويلة، وكنتُ مقتنعةً بأنَّه لا يوجد في العالم ما يُشعرني بالوحدة أكثر ممَّا أختبره. لكنَّني انتبهتُ الآن كم أنا وحيدة. رغم هذا الزحام من البشر، وهذه الأماكن كلُّها، والإمدادت غير المحدودة من الأصوات والألوان المحصورة في مكانٍ واحد، لم يكن هناك شيءٌ يمكنني الذهاب إليه ولمسه. لا شيء سيناديني باسمي. لم يكن هذا موجودًا من قبل، ولن يكون موجودًا أبدًا. ولن يتغيَّر هذا الوضع مهما مضيتُ في هذا العالم. تحيطني مدينةٌ شائبة، أصبحت أكثر رماديَّةً تحت المطر الضبابيّ. لم أستطِع الحركة."
رواية "كل العشاق في الليل" هي تجربتي الثانية مع الكاتبة اليابانية "مييكو كاواكامي" بعدما قرأت رواية "الجنة" والتي تناولت التنمر من منظور مختلف وأوسع وبشكل فلسفي اعتمد على الحوارات بين الشخصيات والأحداث المتفجرة، أما مع "كل العشاق في الليل" فكل شيء هادئ، ووحيد، فربما العنوان يجعلك تشعر بالألفة والحميمية، ولكن ما تناولته الرواية بعيد عن ذلك تماماً، فهي رواية عن الوحدة، وما تفعله بنا، وتلك الطُرق المُختلفة التي نسلكها من أجل التخلص من الوحدة أو على الأقل تقليص الشعور بها، وما سلكته "إيري فويوكو" كان طريق مليء بتدقيق الكتب والشرب حتى تغيب عن العالم، وتعيش في عالم مليء باللاشيء، هي فقط تهرب وحدتها، وألمها، وهذا ألم أستطيع فهمه جيداً.
ما يُميز الرواية هو قدرة الكاتبة على وصف الوحدة بكلمات وأفعال عديدة دون الإشارة لها صراحة، مدى واسع من المشاعر، والأفكار المُحطمة للقلوب، ستشعر بالاشمئزاز ممتزج بالغضب من "فويوكو"، ولكنك بعدما ترى لمحات متفرقة من حياتها، لن يتملكك إلا أن تُشفق عليها، تفهم ألمها، خوفها، تفكيرها الزائد عن الحد الطبيعي، تصرفاتها غير المنطقية، اهتزازها النفسي، ولماذا توجه كل طاقتها في تدقيق الكتب؟ ونفهم أيضاً لماذا اختارت العمل من منزلها عوضاً عن المكتب؟
ختاماً..
هناك تعبير فيما معناه "أنت تحتاج لإنسان، لتفهم إنسان"، وأحب أن أزيد قليلاً "أنت تحتاج لإنسان وحيد، لتفهم إنسان وحيد"، وهذا ليس حصراً على من يشعر بالوحدة أو شعر بها، فكلنا وحيدون بشكلاً ما، وبدرجة ما، ولذلك، أحببت الرواية، تفاعلت معها، ومع قدرة الكاتبة الهائلة على فلسفة الوحدة، ونقل المشاعر الهائلة التي يمر بها الوحيدون دون أن نجد لها وصفاً، فتلك الحالة التي تضعنا في حالة خطيرة لتدمير الذات والإتجاه بقدميك إلى الوحل، يتخللها طيف هائل من المشاعر والأفعال، كلهم يندرجون تحت كلمة "الوحدة"، لو أردت أن أصف الوحدة وما تفعله بالإنسان سأكتفي بترشيح هذه الرواية الحزينة الشاعرية التي تأخذنا في مغامرة مع كل العشاق في الليل.
يُنصح بها للوحيدون، وغيرهم.