"الإنسان ميدان كبير لصراع الخير والشر. لا ينتصر أحدهما على الآخر دائماً، وفي أحوال كثيرة قد نتوهم انتصار الخير، مشاعرنا وحدها تُحدد ذلك."
تطرح رواية "الاستدارة الأخيرة" شكلاً معكوساً للصراع الأزلي بين الذكر والأنثى؛ وأقول صراعاً لأن النوعين يحاولان باستماتة إلغاء الآخر، مما أدى إلى ظهور اضطرابات في الميول والأفكار قد يصل مداها إلى التطرف، فيطرح الكاتب فرضية بديلة، ماذا لو ثارت النساء على الرجال؟ ماذا لو أصبح العالم نسوياً؟ هل سيكون عالماً وردياً؟ وهل سيكون هذا العالم صالحاً للرجال؟ وعندما تقبض النساء على موازين القوة في العالم، هل سيتم استغلالها في صالحهم فقط؟ ولماذا ننسى دائماً أن العالم نساء ورجال؟ وتساؤلات عديدة نُحاول مع الكاتب القبض على إجاباتها من خلال رواية لو حاولت إيجاد جنس أدبي لها لانتابتك الحيرة، فهل هي رواية تاريخ بديل؟ هل هي رواية فانتازيا وخيال؟ هل هي رواية فلسفية تطرح أفكاراً لتُثير ذهن القارئ؟ أم إنها جميع ما سبق؟ أعلم أنني قد أزعجتك بدائرة من التساؤلات غير المُجابة، ولكن، بمجرد أن تبدأ صفحات الرواية، تعثر على إجاباتك، ولكنني لا أعدك أن تجدها كلها.
مع تقدم الأحداث في الرواية، شعرت بأنني أقرأ أحد الملاحم الأسطورية، عوامل جذب متعددة، خيال ممتع، فلدى بطل الرواية نهم وشغف لمعرفة التاريخ، في الوقت الذي تُسيطر فيه النساء على الحكم، كيف يعيش رجلاً يبحث عن الإجابات؟ كيف يتنقل وكيف يُعامل؟ لا لن أدخل في دائرة الأسئلة التي تؤرقني مرة أخرى، فقد وجد البطل الطريق إلى معرفة التاريخ، أو هكذا يدعي صاحبه، فنتابع رحلة النشأة من البداية، حروب ومعارك، تقلبات وخيانات، شخصيات تُقتل وتقتل، طقوس مُهيبة وعشائر تتحد، إسقاطات ورمزيات عديدة طوال الأحداث، وتجد نفسك أنك في دائرة ولكنك لا تزال تدور وتدور وتدور، ربما بحثاً عن الإجابات أو حباً في الحكاية، لا فارق، هذه الرحلة المدوخة ستكملها حتى النهاية، حتى الاستدارة الأخيرة.
ختاماً..
بمجرد أن نتجاوز حيرة البداية والتعرف على الشخصيات وأركان الحكاية وأزمانها المختلفة، ندور مع هذه الرواية وندوخ في دوائرها الممتعة، ولا نفوق إلا مع الاستدارة الأخيرة، عمل مدهش بعالمه المخلوق من التضاد، بسرد غير اعتيادي يلف ويدور كما تدور الرواية.