اقتباسات من رواية حرب السولجر

والدّار شروى الدار سورٍ وحيطان

‫ لكن يبين الفرق في الي بها سكون

‫ لا عشت إن أمسيــــت في دار ذلان

‫ أرعى الغبن فيها كما هم بـــيرعون

يا رب يا مَن كل خلقه تساله

‫ يا كاشف الأكراب يا مفرّج الضيج

‫ يا مَن تنزّه في علاه وجــــلاله

‫ واحصى جميع أرزاق كلّ المـــخاليج

أحصى الإنجليز قتلاهم فكانوا ثلاثين رجلاً، وأمّا دبي، فكانت إمارة مكلومة بفقد طازج، نزفت دماء شربها الخور، شربتها الرمال، تريد أن تهوّن المصاب، وتمسح الذكرى؛ إمارة تركها بعض أهلها بعد ذلك غير آمنين على أنفسهم وأهليهم من سيوف الغدر؛ إمارة قُتل من أهلها سبعة وثلاثون.

كـــم من فويجـــر طغى

‫ وجار فينا وبــــغى

‫ رجوت من ربّ الوغى

‫ خذلان من بنا غدر

‫ (علي بن محمد الشحي)

تتلاقى أعين الزائرين وترتعش في فهم، مهمّتهم واحدة، رفع معنويات المريضة وأهلها، والتخفيف من مشاعر الخوف والحزن، والدعاء لهم بانزياح الغمّة؛

متمشكلٍ من سوء حال جراله

‫ يشكي فلس عقب الخيش والصناديج

ذكروا رفض أهل دبي، لن يعودوا إلّا بعد حصولهم على الأمان واطمئنانهم على أرواحهم، وسلامة أهاليهم.

أهالي منطقتي بستك ولنجة بعد نزوحهم إلى دبي، أغلب منازلهم مبنية من الحصا ومزيّنة بالنقوش وتعلوها البراجيل، لم تشاهد مثل هذا المنظر قطُّ؛ إذ كانت المنازل المبنية من الحصا قليلة ومتفرّقة تملكها عائلات غنية مثل بعض المنازل في فرجان الراس والبطين، وبيوت الشندغة التي يسكنها الحاكم وأعيان البلاد

وتضايق التجّار، ولم يستطيعوا الاستمرار، فتركوا الميناء واتّجهوا إلى دبي بعد أن تمكَّن الشيخ مكتوم بن حشر من جذبهم، فألغى الضرائب معلناً دبي منطقة حرّة، لتبدأ بعدها شركة «بومباي/ فارس» بتحويل سفنها البخارية إلى دبي بدلاً من لنجة، وتصبح دبي الموزّع الرئيسي للبضائع ع

سمعت كثيراً عن تطوّر لنجة وحياة الناس فيها، ليستشهد والدها بما قاله القس الأمريكي زويمر الذي زار دبي في عام ١٩٠١، وانتشرت مقولته بين الناس: «دبي ستكون العاصمة الحقيقية لساحل عُمان، وستحلّ بعمرانها مكان لنجة».

أنّ دبي ستصبح أفضل من لنجة، وأنّ ما يقوم به الشيخ مكتوم بن حشر يشير إلى ذلك؛

تصف لها دبي في عينَي إدوارد روس المقيم السياسي البريطاني؛ فقد ذكر في عام ١٨٧٨ أنّها ميناء مهم على الساحل العربي؛

ما زلتُ ألعَبُ عندَ البحرِ مُرْتَجِلاً

‫ فيكِ القصيدَ ونبضُ الخَوْرِ قافيتي

‫ (عارف الخاجة)

رفقاً دبيُّ فشِعريْ لم يَعُدْ خَجِلاً

‫ من التَحَرّش، من إفشاءِ عاطفتي

‫ أنا الصَّبيُّ الذي ما زالَ مُنْطَلِقاً

‫ يُسابِقُ الرّيحَ والآمالُ عافيتي

‫ أنا الصَّبيُّ الذي ما زال مختَزناً

‫ نجوى النخيلِ على إيقاعِ عاصفتي

‫ أنا الصبيُّ الذي أمْسَتْ مَرَاكِبُهُ

‫ تَغْشَى الخيالَ وشوقُ الدارِ أمتِعَتي

صروف تعصف بدبي، تعصف بأهلها الذين يعشقون رملها وبحرها وخورها ونوارسها، برغم ضيق الحال الذي لم يسلم منه حتى الشيوخ، تتذكَّر الشيخ بطي بن سهيل وهو يناجي ربّه، وهو يضع نفسه مع ناسه، مع شعبه، تعرف مدى تواضعه، لم تجعله المشيخة في وضع أعلى من النّاس، بل وضعها سبيلاً لخدمتهم.

كتبَتْ الشاعرة هداية إلى ميري عمَّا تراه، عمَّا تشعر به، عن الغربة التي يعيشها أهالي دبي، عن وحشتها ووحشتهم، عن ضيقها وضيقهم ونفور عدد كبير من السكّان من دبي؛ الصحراء أكثر أماناً لو عاود الإنجليز الهجوم، ستبتعد النساء والصغار عن نيران المدافع والبنادق؛ أخبرت ميري بأنّها لن تغادر ولو عاد الإنجليز،

تتحسّر على ما حدث، تحكي أنّها لا تستطيع تصوّر دبي خالية من السكان، تطلب من هداية أن تبعث لها برسائل تصف لها الوضع، وتُطمئنها على صحتها وحالها وأحوال دبي. خائفةً كانت ميري، وتعلم هداية بما وردها بأنّ عدد المغادرين في ازدياد، لا تثق بقول المقيم السياسي إنّهم سيعودون بسرعة، إنّ مغادرتهم مؤقّتة؛ سيعودون في موسم الغوص

دبي تعاني، تنقسم بعد أن اتّحد أهلها في المواجهة، غادرها عدد كبير من التجّار والعاملين في مينائها إلى الشارقة وفارس، بعد أن غادرها الآلاف من رعاياها، بعد أن غادرها كبار عائلة الشيخ من آل بوفلاسة مع أموالهم وأهليهم إلى المناطق البرّية خارج دبي، بعد أن وافق الشيخ بطي بن سهيل على وقف إطلاق النار؛ وبعدها على بعض شروط الإنجليز حاول أنْ يطمئنهم، ولكنْ لا فائدة، حاول أن يستبقيهم فلم يقدر،

تناظر العربات قبل خروجها من السوق، وذكّرت والدتها بما جاء في رسالة من صديقتها ميري عن رحّالة ألماني يسمّى هيرمان بورخارت زار دبي في عام ١٩٠٤، ووصفها بأنها منظمة ونظيفة،

ناوشت عقلها الجملة التي سمعتها من والدها وهو يحدّثهم بعد عودته من «المعشرة»، طين المقبرة عالق في كفّيه و»كندورته»، والغصّة تملأ حلقه: «الحمل ثقيل».