دراسة تحليلية لرواية بخور الغريبة
بقلم: أمل صيداوي
عرض الرواية:
ترصد هذه الرواية ثماني سنوات من عمر البطلة بهجة. تبدأ أحداث الرواية في مدينة اللاذقية في حارة شعبية تسمى "حارة الجورة" مصورة طبيعة الحياة والمعاناة التي لحقت ببطلة الرواية بهجة من جراء زواجها بالشاب عمران الذي أحبته وتزوجته بعد حصولها على موافقة أهلها رغم أنه ليس من ملّتهم.
حكت بطلة الرواية بهجة عن ذكريات طفولتها حيث كانت لاتلعب إلا مع الصبيان يقومون برعي الدواب سوياً ويمشون حفاة ويسبحون معاً في نهر الفرات عراة الصدر ويتشاجرون معاً وكان أولاد عمومتها يتحامون بها عندما تنشب معارك مع الغرباء (صفحة33-34)، كما كانت تدافع عن ابن خالتها سعدو عند مهاجمة الأولاد له (صفحة34-35)، وعندما تقدّمت خالتها لطلب يدها لابنها سعدو قامت بهجة برفض الزواج منه وانصاع الأهل لرأيها رغم أنه في أعرافهم لاينبغي للبنت معارضة أهلها وهذا مايدل على قوة شخصيتها منذ الصغر.
لم تكن بهجة تحكي لعمران عن معاملة زوجة أخيه عفراء السيئة لها لأنها لم تشعر آنذاك بالخطر الماثل فوق رأسها. كان سكوتها عن القهر والاضطهاد الذي تعرضت له من قبل عفراء بسبب تربيتها التي لاتسمح لها بذلك على حدّ قولها: "ياغريب خلّيك أديب" (صفحة 36). يتضح فيما بعد في سياق الرواية أن هذا لم يكن في صالحها.
عنيت هذه الرواية بطبائع أبطالها فالنص يقدم عمران من خلال سلسلة من الصفات تتمثل في الرجولة، والشهامة، والحب، والحنان، والاحترام أي لها علاقة بكل ما يمجد الإنسان كإنسان (صفحة 29).
نتعاطف مع عمران أثناء سرده لزوجته بهجة حكاية حبه لزميلة له بالجامعة اسمها بشيرة وهي من غير ملته والتي أبعدوها أهلها عنه وكان ذلك سبباً في تركه الجامعة. بعد حصول تصعيد في تبادل إطلاق نار بين الجماعات المتحاربة يقع عمران تحت تأثير كراهية معظم أفراد أسرته لبهجة وخاصة عفراء زوجة أخيه اسماعيل، وابن عمه فياض، ثم فيما بعد كراهية أهل الحارة لبهجة فيقوم بطلاقها فجأة وهذا هوالوجه الآخر المظلم لعمران. يقوم سعدو الذي ينتمي لفصائل إسلامية بسجن بهجة وتعذيبها، ثم تهرب بهجة من السجن مع مجموعة من النساء بمساعدة عاهرة اسمها سحر. تتوفى والدة بهجة إثرإصابتها برصاصة قاتلة أثناء اشتباكات بين المسلحين. بعد هروبها تبدأ بهجة بالبحث عن أبيها وإخوتها وعندما تجدهم يتفقوا جميعهم على الذهاب للعمل في لبنان بسبب تردي الأوضاع في سوريا. في بادئ الأمر تعمل بهجة خادمة في منزل أحد كبار القوم حيث يتسنى لها في أوقات فراغها وعند انتهائها من عملها مطالعة أمهات الكتب. بعد انتقال سيّد المنزل إلى مكان آخر تضطر للعمل في حقول الخشخاش مع إخوتها. بعد قضاء ستة سنوات في لبنان قررت بهجة وبالاتفاق مع والدها الهروب من لبنان مع أخيها للجوء إلى إحدى الدول الأوروبية، وكان مخطط المغامرة بأن يدخلا سوريا ثم يتسللا شمالاً حيث يمرا بمدينة ادلب ثم يخترقا الحدود التركية. عندما وصلا إلى تركيا اجتمعوا بمجموعة من الناس الهاربين حيث قسّمهم شخص يدعى أبو جميل إلى مجموعتين. أضاعت بهجة أخاها نتيجة للنصب والاحتيال الذي تعرضوا له من قبل المهرب. قادت بهجة حملة التهريب وواجهت أثناء ذلك الكثيرمن المخاطر والمحن حيث لقبّوها "أم شاطوف"، وعبرت مع المجموعة الأراضي الهنغارية ثم دخلوا النمسا حيث تم الإمساك بهم. بعد إقامتها بمعسكر هناك لفترة من الزمن مع مجموعتها حصلت على الإقامة.
اعتمد الكاتب مسارين زمنيين في الرواية: زمن الماضي التاريخي وزمن الحاضر. زمن الماضي التاريخي: في لواء اسكندرونة حيث اعتقد البطل عمران اعتقاداً راسخاً بتناسخ الأرواح وبأنه ممتد عبر التاريخ من شخصية طلعت الذي استشهد والده في في سبيل الدفاع عن حقهم في أرض لواء اسكندرونة ثم قرار طلعت الذهاب مع حامية إلى فلسطين حيث استشهد هناك. وزمن الحاضر الذي تدور أثناءه أحداث الرواية.
ويعتبر طلاق بهجة (بقرارمن زوجها عمران) وتردّي الأوضاع الأمنية في سورية حالة تبرر الفعل المستقبلي (الهجرة)
غلاف الرواية
هي المرأة التي انبلجت من دخان البخور مخلوقة أسطورية لاترضى بالذل تسمو بجمالها الإنساني الذي يخوّلها من خلال الرواية بالقيام بأصعب وأخطر وأجمل الأدوار والتي تبرهن من خلالها على أنها ليست مجرّد مخلوق ضعيف يحتاج للحماية، بل إنها كانت ومازالت منارة محبّة وأمل وأمان لكل من يحترمها ويقدّر مكانتها في الحياة.
شخصيات الرواية:
- الشخصية المحورية: بهجة العمر: كانت شخصية بهجة مميزة في هذه الرواية ولم تنبثق من العدم. هي تنحدر من عشيرة بدو التي كانت تهاجر من مكان إلى آخر بحثاً عن الماء والمراعي (صفحة 22)، وبعد الأحداث الأخيرة أصبحت تعمل في الحقول مع إخوتها (صفحة 49). ثم تزوجت من عمران الذي أحبته.
- عمران: رجل من "حارة الجورة" في اللاذقية أحبّ فتاة اسمها بشيرة من غير ملّته التي أجبرها أهلها على تركه بعد معرفتهم بقصة العشق التي تربط بينها وبين عمران وزوجوها من ابن عمها ( صفحة 81). ثم في الأربعين من عمره تزوج عمران من بهجة.
- والدة بهجة: التي كانت مثال الأم الحنون وكانت تعمل بتجارة كل شيء من المهربات تحملها من لبنان ثم تنقل المواد التموينية إلى لبنان لتؤمن لأسرتها المصاريف.
- والد بهجة: هو إنسان طيب القلب ومعاملته جيدة لابنته، لديه عاهة خلقية في رجله اليسرى تمنعه من العمل سوى قيادة شاحنة ( صفحة: 21).
- سعدو: ابن إحدى نساء العشيرة التي كانت تدّعي بأنها خالة بهجة والذي رفضت بهجة الزواج به، كان قبل الأحداث سارق دراجات، وانضم بعد الأحداث إلى الفصائل الإسلامية المسلّحة.
- فياض: ابن عم عمران الذي رأى بهجة تتنصت على مجلس الرجال (الذي يُعَدّ في عرفهم من المحرّمات) في منزلها الزوجي.
- عفراء: زوجة اسماعيل أخوعمران التي كانت تتنمر على بهجة وتعاملها معاملة سيئة. بعد الأحداث الأخيرة تُوجّه عفراء أصابع الاتهام لبهجة بأنها وشت بهم لمسلحي المعارضة.
- غيداء وأوصاف: عانستان وهما أخوات عمران.
- بكري: شيخ يلقي المواعظ على المسجونات(بما فيهن بهجة) في التنظيم الذي ينتمي إليه (صفحة 59).
- سحر: عاهرة تنام مع حراس المهجع ومع بكري.
العنوان:
العناوين هي مفاتيح النصوص وسر جمالها، فالعنوان هو المحور الذي يتوالد ويتنامى ويعيد إنتاج نفسه وفق تمثلات وسياقات نصية تؤكد طبيعة التعالقات التي تربط العنوان بنصه والنص بعنوانه، فالطابع السيميائي للعنوان وبراعة اختيار الكاتب لكلماته جعلته يحظى بشعرية خاصة مما زاد العمل المنتج جمالاً وإشعاعاً وإشراقاً، وكأن العنوان يعتصر التجربة الإبداعية في كلمة أومجموعة كلمات"وهذا ما وجده عنوان رواية (بخور الغريبة).
فالبخور في عنوان الرواية هو رمز لبطولة وجسارة بهجة (التي لقبوها بالغريبة)، ولتغلّبها على الأهوال فقد كانت كالبخور الذي فاحت رائحته الزكيّة على نار الألم، كما أن البخور رمز للمرأة الخارقة التي تطرد عن نفسها الخوف والحزن وتتناسى المصائب والويلات والمحن وتلوّن كسور معاناتها بألوان زاهية تحوّلها إلى طاقة إيجابية تستمدّ منها القوة والعزيمة ليتسنى لها الانتقال إلى حياة جديدة.
الإهداء:
كان حضور الإهداء في الرواية حضوراً خاصاً وعاماً في نفس الوقت:
إلى أحبة فارقونا دون فرصة وداع
إلى من تتكسر كلماتي على شواطئها
وتقرأني في الحضور والغياب
إلى نبيل المستقبل
إلى ميلاد الأمل
إلى من أنصفتهم الرواية وخذلتهم الحياة
حيث تماهى الكاتب مع أبطاله الذين هاجروا نتيجة الظروف السيئة وانعدام الأمان وضيق ذات اليد ولم يتسنى لهم وداع محبيهم من الأهل والأصدقاء منطلقاً من إحساسه المرهف بعمق معاناتهم وخذلانهم، كما أهدى الكاتب الرواية لزوجته: شواطئ التي تنحني أمامها الكلمات وهي مصدر إلهام لزوجها لأنها تعيش في ثنايا روحه، ولأبنائه الذين يتمنى لهما مستقبلاً زاهراً وحياة يحققون فيها آمالهم وأحلامهم.
السمات الواقعية للرواية:
العالم الذي قدّمه الكاتب يتطابق مع الواقع في بلدنا سورية. أظهرت هذه الرواية طبائع أبطالها والمناخ الاجتماعي والروحي الذي انتموا إليه فمن أبطال الرواية: الفتاة الشجاعة، والعاشق، والنذل، والأم، والأب، وهناك شخصيات ثانوية كالشيخ، والعاهرة، والمتنمرّة.
يبين المقطع التالي الأماكن ويذكر لنا أشخاصاً وأوضاعاً يومية يعبّر عنها الكاتب بعبارات تضع القارئ في جو يبدو مألوفاً:
"بعد جولة قصيرة عرّفني بها عمران على دكاكين الحارة والطرق المؤدية إلى الدارتوقفنا عند أبو سعيد بائع الذرة المشوية الذي يقف في نقطة استراتيجية تسمح له بمراقبة مداخل الحارات بدقة (صفحة 20).
التركيزعلى معاناة الفرد:
معاناة بهجة في عملها بالحقول مع إخوتها، ثم معاناتها من وفاة والدتها، ومن طلاقها المفاجئ من عمران، ومن السجن لدى الفصائل الإسلامية المسلّحة، ومعاناتها من المعاملة السيئة لأهل زوجها، ثم معاناتها في لبنان حيث عملت في الحقول، وفي منزل أحد الوجهاء، ومعاناتها من ضياع أخيها أثناء هجرتها غير الشرعية إلى النمسا، ومن العقبات التي صادفتها في طريق الهجرة الشاق والطويل.
تجربة السجن:
رغم أن تجربة السّجن بالنسبة لبهجة كانت تجربة مريرة وخاصة أن سجّانها كان سعدو ابن (من كانت تدّعي بأنها خالتها) الذي سبق أن رفضت الزواج به إلا أنها واجهت التهم الموجهة إليها بشجاعةوتلك التهم هي:
"التهم الموجهة إليّ: التجسس لصالح النظام، وعدم الالتزام بالآداب العامة"(صفحة 55).
وصفت الراوية عنبر السجن:
"فتحات صغيرة في أعلى الجدار تدخل أشعة الشمس، تنير أجساد النساء الممددات على أرض الغرفة""(صفحة 55)
أبدت الراوية بهجة سخريتها من سياط سجّانها سعدو:
"كلما زادت شدّة السياط على ظهري العاري، زاد تكشيري بابتسامة أعرض" (صفحة 60).
الاستعارة والصور الفنية لرواية بخورالغريبة:
رسم الكاتب المبدع إياد حسن لوحات فنية من خلال الصور التي عبّر بها عن خلجات قلبه ونفسه وروحه، حيث رسم خيوطاً تشابكت معاً فصنع من الصور والأخيلة جسوراً يعبر القارئ من خلالها إلى الفكرة:
شبّه الكاتب على لسان الراوية بهجة صمت عمران (إثر طرحها سؤالاً عليه) بالنفق الطويل، وكأن السؤال ذكّر زوجها بخيبات أمله وتعاسته:
"عندما يصمت عمران يعني أنه دخل في نفق عميق. ربما أضفت جرحاً آخر لخيبات أمله المتلاحقة وربما فاقمتُ آلام اغترابه المزمن" (صفحة45).
أما عن الموت فقد شبهته الراوية بهجة بشخص لم يعد له تلك الهيبة التي كانت من قبل، هذا في حال أنّ المتوفي أحد الأقرباء، وتكمن المفارقة في أن وفاة الأم تسبّب أحزاناً لانهاية لها كأنها مقابر في الذاكرة:
"فقد الموت هيبته، لم يعد سماع خبر الموت يهزني مهما كانت معزّة المتوفي أوقربه مني. عندما تفقد أمك فجأة يمتلئ رأسك بالمقابر، عندما تفقد أمك فلن يكفيك حزن العالم كلّه"(صفحة76).
اللغة الإيحائية:
وظف الكاتب لغة إيحائية رمزية في وصف الألم والصدمة المروّعة اللذان تعرّضت لهما بهجة من قبل عمران:
"أحبس في عيني بركان ماء وفي رأسي تشتعل آلاف الحرائق""(صفحة53).
"نظرة تشبه نظرة ابن عمه واضعاً سكّين آل العز التاريخية على رقبة الأضحية"(صفحة51)
وفي تراكم الخلافات بينها وبين أفراد عائلة زوجها:
"جاءت الأحداث الأخيرة لتميط اللثام عن شرخ هائل يفصل بين بعضنا البعض" (صفحة52)
وفي حال أبيها وحزنه الشديد بعد وفاة أمها:
"علامات الانكسار باتت واضحة على تصرفات أبي، تفوح من أحاديثه ونبرة صوته رائحة شواء الروح" (صفحة85).
وفي تأثير الحرب على سلوك الناس:
"هي الحرب تختبئ تحت جلودنا، تتعطش لدماء الآخر"(صفحة101)
وفي مافعلته الحرب بالعلاقات بين مختلف الفرقاء في الوطن الواحد:
"شقٌ فرّغ مفاهيم عيشنا وتآخينا المشترك من كلّ معنى"(صفحة 101).
وفي اعتماد المهاجرين على بهجة في حمايتهم أثناء قيادتها لهم في حملة التهريب:
"ماذا يعني أن يعلّقوا الأمل في النجاة من موت محتّم في يد امرأة؟ يعني أن تصير الأنثى التي احتكروا جسدها وعقلها، وقزّموها حتى الاحتقار،أن تصير تلك الأنثى بحجم الوطن" (صفحة106).
الوظيفة الرمزية للأشياء:
-البخور: تبخير الطعام بالبخور لطرد الأرواح الملعونة (صفحة 16)، وفي قول الراوية "وضع عمران البخور المبارك فوق الجمرات المشتعلة في صحن صدئ" (صفحة 25).
البعد الأنثروبولوجي للرواية:
تكلّم الكاتب بلسان بهجة عن الأعياد الدينية لدى آل العزوكيفية احتفالهم بها بتوزيع الطعام على أهل الحارة:
"إنها فترة عيد الغديرالذي تلتزم بإقامته العديد من بيوت الحارة".
"التزم عمران بإقامة هذا الواجب الديني بعد أن توفي أبوه منذ خمس سنوات".
"هذا عمل خير يتشارك فيه أهل الحارة الواحدة في مأكلهم" (صفحة 17).
ثم وصف الراوية بهجة لطقس الصلاة لدى عمران:
"يحمل سبحة عقيق بنية ويتمتم كلمات لاأفهم منها أي شيء.إنها فرض صلاة حسب قوله" ( صفحة 28)
كرونولوجية الزمن:
النص الروائي يعطينا مساراً متشعباً عبر الزمان والمكان. شكّلت نشأة بطلة الرواية نقطة ارتكاز اعتمدها الكاتب في رحلتها الغنية بالأحداث والتفاعلات وتمثل ذلك في وصف مراحل الزمن التي مرت بها البطلة في حياتها.
ففي ذكريات بهجة عن رحلات الرعي مع والدتها:
"حسنا، يجب أن أركّز أكثر.كنت أنا وأمي في رحلات الرعي نسلك طريقاً موازياً للنهر نقطعه عبر جسر خشبي في تقارب الضفتين، ليصير الدرب سالكاً نحو الأوتوستراد الدولي" (صفحة64).
تستوقفنا بعض النماذج في رواية " بخور الغريبة" في وصف المواقف القاسية التي صادفتها وهي:
"نخرج كل صباح لاندري هل نعود أم تأخذنا قذيفة ما أو صاروخ ضلّ هدفه". (صفحة24)
وفي ذكريات والد بهجة عن الهجرات المتعددة لعشيرته:
"تعرّضت عشيرتنا لهجرات متعددة"......ويستطرد قائلاً: "قبل مائة وخمسين سنة هاجرت الكثير من العشائر من شبه الجزيرة العربية باتجاه الشمال تجرّ خلفها دوابها ومتاعها" (صفحة22).
وفي ذكريات بهجة عن العذابات التي ألمّت بوالدتها:
"ياحسرتي عليكِ ياأمي، لاتغيب عن ذاكرتي صور العذابات التي ألمّت بك. كنتِ حاملاً بأخي الصغير عندما كنت تلاقين الأذى من أبناء أعمامي، ينهالون عليكِ شتماً وأذى بتحريض من أمهاتهم" (صفحة75).
طوبوغرافيا:
تمثلت في وصف الأمكنة والمشاهد، ففي رواية "بخورالغريبة" وصف الروائي على لسان بطلته ، الطريق الذي كانت تقطعه مع إخوتها يومياً للذهاب للعمل في حقول المزارعين ومن أهم النماذج المستوحاة من الرواية:
"تلك الطريق أحفظها جيداً، كانت الطريق اليومية من وإلى الحقول التي نعمل بها أنا وإخوتي الصغار بالأجرة اليومية. كانت عصباً حيوياً تمر عبره يومياً آلاف السيارات التي تربط المناطق الشرقية بالغربية"(صفحة49).
كما وصف الروائي على لسان بطلته التلال الخضراء:
"من بعيد تبدو التلال الخضراء يانعة كالعذارى التي لم يمسسها آدمي"(صفحة 49).
وفي وصف الراوية بهجة للقرى في سوريا:
"في سوريا تتشابه جميع القرى:تجمّع من بيوت الأقارب في وسط القرية، ثم بيوت متفرّقة على رأس كلّ حقل" (صفحة 66).
بروزوغرافيا: (وصف المظهر الخارجي للشخصيات):
تصف الراوية بهجة أخت عمران التي تسمى أوصاف :
"بيضاء البشرة واسعة العينين مازالت ملامح الأنوثة تظهر في وجهها فقط عندما تكون صامتة. تصبغ شعرها باللون الأشقر" (صفحة 96).
كما وصفت الراوية بهجة نفسها بعد وصولها إلى النمسا ومقابلتها للمحقق:
"كائن حي بملابس رثة متسخة. وجه شاب وقد بدأ وبر وجهه يميل إلى القسوة واللون الداكن. شعر متوسط الطول وغير مشذّب" (صفحة 86).
في الختام:
استخدم الكاتب عبارات عميقة للتعبير عن الحالة الإنسانية المتخبطة التي عاشتها بطلة الرواية، والصراع الروحي الذي عانت منه إثر ظلم الآخرين لها. امتلك الكاتب أسلوباً إبداعياً في الرجوع إلى الماضي حيث تعود الراوية البطلة ويعود أباها، وزوجها عمران كل على حده في الرواية إلى الوراء من خلال العديد من المواقف والحكايات. أبدع الكاتب في صياغة الحالة النفسية للراوية بهجة لدى وفاة والدتها ولدى خيبة أملها من زوجها عمران الذي طّلّقها، ولدى هجرتها من الوطن الأم.
نجد مما تقدّم أن رواية بخور الغريبة سيمفونية حزن وقهر تنبعث من الوطن، وهي تشير بشكل غير مباشرإلى انتكاسة جيل بأكمله عاصر المحن والأهوال في البلاد وتذوّق الويلات.
بثّ الكاتب المبدع إياد حسن من خلال الراوية بهجة رسالة تقول فيها أنّ قدرتنا على البدء من جديد هي أيقونة الحياة المطمئنة والعيش الهانئ، والأمل بعد اليأس، والحماس بعد الفتور، والمحاولة بعد الخسارة، وهي خير من كل استسلام نسكّن أنفسنا به.
وكما قال الشاعرالتونسي المبدع أبو القاسم الشابي:
يا قلب لا تقنع بشوك اليأس من بين الزهور فوراء أوجاع الحياة عذوبة الأمل الجسور