مراجعة سلسلة روايات "بدرية وأم حنان" من العدد الأول إلى العدد الرابع
تعودت على كتابة المراجعات عبر حسابي الشخصي ونشرها على منصات القراءة ومختلف الجروبات الثقافية عبر منصات التواصل الاجتماعي في شكل مميز - على ما اعتقد - وذلك قبل أن يتعرض الحساب للإغلاق التام والحظر من قبل إدارة الفيس بوك.
والآن وقد بدأت العمل من خلال حساب شخصي جديد فكنت قد تكاسلت عن إعادة كتابة المراجعات حتى جاءت مسابقة جروب فنجان قهوة وكتاب بالتعاون مع مؤسسة سلاح التلميذ - أو روايات مصرية للجيب - لتعيد لي الشغف في كتابة المراجعات من جديد.
والآن وبسرعة يمكن الإنطلاق في كتابة المراجعات مع واحدة من أجمل قراءات عام 2024 من إصدار المؤسسة وهي سلسلة روايات "بدرية وأم حنان"
الانطباع الأخير: رحلة العودة إلى الزمن الجميل
عند انتهائي من قراءة العدد الرابع من سلسلة "بدرية وأم حنان"، والذي حمل عنوان "البسلة"، وجدت نفسي أدندن أغنية خفيفة من روائع حمادة هلال في فترة التسعينات:
"حلوين اوى طعمين اوي الله اكبر علينا
لا قبلنا ولا بعدينا، أنا وحبيبي احنا الاتنين زي الورد على الياسمين."
وكأنني أرى بدرية وأم حنان عائدتين من السوق وهما تغنيان تلك الأغنية معا:
هذه السلسلة أعادت لي ذكريات زمن الثمانينيات والتسعينيات، حيث الأجواء الشعبية الدافئة والبساطة الجميلة في تفاصيل الحياة اليومية.
شعرت بأنني أشاهد حلقات مسلسل اجتماعي قديم نوعا، ولكنها تحتاج إلى منتج مغامر قادر على تحويل هذه النصوص إلى مسلسل ست كوم ناجح.
ولا غرابة في ذلك تلك السلسلة من الأعمال جاءت في شكل سكربت فني أكثر منه إلى سلسلة روايات.
وعلى سبيل الخيال، تخيلت الفنانة انتصار تؤدي دور "بدرية" والفنانة سماء إبراهيم في دور "أم حنان".
من وجهة نظري المتواضعة سوف يكون هذا الاختيار مثاليًا لإبراز روح الشخصيات.
الانطباع الأول: هل السلسلة رعب أم كوميديا؟
عند قراءة العدد الأول، بدا لي أن السلسلة تنتمي إلى تصنيف "الرعب الكوميدي".
لكن مع التقدم في القراءة، اكتشفت أنها أقرب إلى دراما اجتماعية مليئة بالكوميديا السوداء وبعض التشويق والغموض.
ما يميز العمل هو المزج بين البساطة في الطرح والتعقيد في الأحداث.
السلسلة لا تسعى إلى إبهار القارئ بحبكات معقدة، بل تقدم مغامرات يومية بطابع شعبي مليء بالمفارقات الساخرة.
فكرة العمل: عالم بسيط ولكن مليء بالمفاجآت
تعتمد السلسلة على شخصيتين محوريتين هما "بدرية" و"أم حنان"، امرأتان بسيطتان تعيشان في حي شعبي داخل عالمهما الخاص الذي لا يتجاوز حدود الشارع الذي تسكنان فيه.
هما نقيضان تامان لصورة المرأة المستقلة القوية التي نراها في الأعمال الحديثة.
فبدلًا من المرأة "السترونج اندبندنت وومن"، نجد شخصيات غارقة في بساطتها وطيبتها، ولكنها في نفس الوقت تقع في مواقف غير متوقعة بسبب الصدفة أو الغباء أحيانًا.
السلسلة تدور في فترة زمنية تسبق انتشار التكنولوجيا والإنترنت، حيث كان التلفزيون هو الوسيلة الأساسية للترفيه، مما يعكس الحياة في الحارات الشعبية قبل العولمة.
لغة السرد والحوار: بين الفصحى والعامية
السرد في الرواية مكتوب بلغة عربية فصحى بسيطة وسلسة، أما الحوارات فجاءت باللهجة المصرية العامية، وهو اختيار موفق جدًا يتناسب مع طبيعة الشخصيات وأجواء العمل.
لكن لوحظ تكرار بعض العبارات في السرد، خاصة في وصف الشخصيات وطريقة مشيها وهيئتها.
ومع ذلك، يبقى الحوار هو أبرز ما يميز العمل؛ فهو خفيف، ساخر، وحقيقي يعكس الروح الشعبية.
لكن، هناك ملاحظة بسيطة تتعلق بتنسيق الحوار، حيث شعرت أحيانًا بالارتباك في متابعة المتحدث بسبب عدم وضوح الانتقالات بين الشخصيات.
الشخصيات: كاريكاتورية ولكن حقيقية
شخصيات "بدرية" و"أم حنان" هي شخصيات كاريكاتورية بامتياز، لكنها في نفس الوقت تعكس جزءًا حقيقيًا من واقعنا الاجتماعي.
هذا النوع من الشخصيات تعودت على ظهوره في الكثير من الأعمال القديمة نوعا مثل "ناس وناس" للكاتب الساخر الكبير أحمد رجب والذي لم يعد يظهر كثيرًا في الأعمال الروائية الحديثة، وهو ما يجعل السلسلة مختلفة ذات طابع رائع له عبير خاص من النوستالجيا.
شخصيات العمل تستمد روحها من الثقافة الشعبية المصرية القديمة، والتي قد تكون غائبة تمامًا عن الجيل الجديد الذي لم يعش تلك الفترة.
بالنسبة لجيلنا، الشخصيات تشبه ما كنا نشاهده في الأعمال أو المسلسلات القديمة مثل "القاهرة والناس"، "ناس وناس"، تعطيك إنطباع بتلك الحكايات عن "سي السيد" و"الست أمينة".
ولكنني أتخيل أن جيل اليوم، الذي يتبنى أفكارًا مثل "الست مش ملزمة"، قد يشعر بالصدمة من شخصيات مثل "بدرية" و"أم حنان"!
أحداث السلسلة: مغامرات في عالم من الغرائب
المغامرات التي تخوضها "بدرية" و"أم حنان" تعتمد على تورطهما في أحداث غير منطقية وغريبة:
مكالمة هاتفية غامضة تقلب حياتهما.
زائر ليلي غريب يحمل أسرارًا غامضة.
عالم حشرات مجنون يجعلهما فئران تجارب.
بائعة "بِسِلّة" مسحورة تغيّر مجرى الأمور.
الجميل في هذه الأحداث هو أن الشخصيات لا تهتم بفهم ما يحدث، بل تتفاعل معه بردود أفعال عفوية تعتمد على الصدمة الحضارية والفكرية.
الكاتبتان: تناغم واضح
العمل من تأليف الكاتبتين نسمة جمال ومي غريب، وهو ما يعكس مدى التفاهم والتناغم بينهما.
كل واحدة منهما أمسكت بزمام شخصية من الشخصيات الرئيسية، وتمكنت من تقديمها بصدق وحرفية.
الخلاصة: عمل خفيف ولكن مليء بالرسائل
سلسلة "بدرية وأم حنان" هي عمل روائي خفيف وسريع الإيقاع، لكنه يحمل في طياته الكثير من الرسائل حول المجتمع والتغيرات الثقافية التي شهدتها مصر على مدار العقود الماضية.
أعتقد أن تحويل هذه السلسلة إلى مسلسل "ست كوم" سيكون فكرة رائعة.
فالعمل لا يهدف فقط إلى إضحاك القارئ، بل يسلط الضوء على تفاصيل من حياتنا الشعبية التي بدأت تختفي في ظل الصورة الحديثة للمرأة والمجتمع.
باختصار، "بدرية وأم حنان" ليست مجرد سلسلة قصصية، بل هي رحلة إلى الماضي، حيث البساطة والضحك الصادق.
إذا كنتم تبحثون عن عمل يعيدكم إلى الماضي وسحره مع روائح الأبد الساخر المميز فهذه السلسلة هي الخيار الأمثل!
#أحمد_مجدي
#بدرية_وأم_حنان
#قارئ_العام_روايات_مصرية_2024