اقتباسات من كتاب نعيق غربان حنجرتي

إلى أبي الذي لن يقرأ كلماتي…‏

‫ ‏أبي، إنّ ما هو مُريح في الكتابة لك أنّها لا تستوجب نَظْمًا محددًا، ولا عبارات منمقة، ولا استعارات، ولا أيّ قيود تجعل منها عبئًا. والأكثر طمأنينة أنّك لن تقرأ الكلمات التي لا أدري لِمَ أكتبها وأتركها في برزخٍ قائم بيننا.‏

ابن قتيبة الدينوري:‏

‫ ‏"ليس من صفة يُمدح بها الغنيّ إِلا ذُمّ بها الفقير، فإن كان شجاعًا قيل أهوج، وإن كان وقورًا قيل بليد، وإن كان لَسِنًا قيل مهذار".‏

حيث "لا سبيل إلى الأوطان، ولا طاقة على الاستيطان" باتت الكتب أجمل الأوطان وأكملها، الوطن الذي تدثرني حروفه، وكلماته تمنح الدفء في صقيع المنافي.

أقرأ بتطرف وجنون. الكتاب الذي لا أجد بين دفتيه عزائي أو ضماد لروحي، أنتقل لغيره دون أسف. أقرأ لنفسي، لا أتقيّد بقراءات جمعية، ولا بأدوات نقديّة. أقرأ حتى لا أختلط على نفسي وأفقد توازني الداخلي. أقرأ لأخلق عوالم موازية أعيش بها.‏

من عاش حياة مشوَّهة فلن يرمِّمُها إلا الحبُّ،

عاطفتهما تعويذة تُحصِّن طريقهما رغم عثرات الفقر وشتات الشمل

تكثّف القراءات، وتقرأ بجنون وتطرّف، تنتقي ما يتناسب مع تقلبات واقعك الصفيق. تحاور الشخوص والأفكار وكاتبها، تردّ، تستنكر، تسأل، تصرخ، تبكي، تلعن، تنهار، تقوم، يمسّك الرضا، يسكنك العزاء، تبحث بصبر نبي عن الحبّ

أيضًا، تكتشف أنّه ثمّة ما هو أقسى من الموت: الطلب‏

‫ ‏مهما كان جنسه، والسؤال يجعلك تعبر منازل الجحيم برمتها!‏

سيُصاب بالكَمد والإدناف مَن ينتظر مِن الآخرين شيئًا!‏

‫ ‏وحده الكتاب كيفما كنت يقبلُك، ومتى أتيته تجده ينتظرك. ‏

‫ ‏يوسّع مجال القلب، ويزيل صدأ العقل، يواري كزازة النّفس.‏

‏لا ننسى، أنّ من يتلفظ بالمثالية في الرخاء كلماته ستكون حِمَما من نار!‏

هل نحن قِبلة الألم المُطلَق حتّى تحجُّ إلينا كلُّ قوافل الفجائع؟

أكتب لأكنس الخراب الذي يحلّه الواقع المكتنف لكلّ ألوان الظلام داخل روحي. أكتب لأدحرج صرخة النّداء جهة لمن لا زال قلبه ينبض بالمحبة غير المشروطة. أكتب وأخبّئ الحرف الذي ما هو إلّا صرخات احتجاجية معبّأة بالألم النفسي والشقاء الروحي.‏

تتمنى من فرط العجز وكلل الصّبر أن تضع دونهم ودون عماء الفجائع الحُجب، أن تجعل كرة الوجود بينهم وبين شبح الموت الدمويّ الذي يكبر كلّ يوم وساعة ولحظة. لكن، كيف ونحن في نظر قاموس العالم المُفلس أخلاقيًا مجرد أرقام ولربما يرانا نِطاف عدم

حروب تلتهم إنسانيتنا وتزجّ بها في المدى اللانهائيّ للشّر المُطلق.‏

‫ ‏حروب تغتال حياة القلوب وأفراحها. حروب تجعل الروح بطعم الألم والدّم.‏

إنّني أتوق إلى صورة واحدة، يتيمة، رحيمة، من صور العيش الهانئ!‏