تصل رواية "بيت من زخرف: عشيقة ابن رشد" الماضي بالحاضر بالمستقبل عن طريق حكاية تاريخية يتخللها العديد من الأحداث الخيالية لكي تُقدم لنا أفكاراً هامة وجريئة عن الفلسفة وتناولها، وقبساً من حياة "ابن رشد" الذي اتهم بالكفر والهرطقة لولعه بالفلسفة ونقل الكثير عنها، وله مؤلفات عديدة في هذا الشأن، وينبثق من الماضي حاضر جديد بطله أستاذ جامعي في عداد المنفيين خارج بلده بإسبانيا، تُحرضه تلميذته على نبش قبر من كانت تعمل لديها، لاحتوائه على أوراق هامة، تُبعثر الماضي البعيد بالماضي القريب وتُقدم لنا أفكار ابن رشد بداخل الأحداث، ويُدهشك كم أن تلك الأفكار لا زالت ملائمة ومناسبة لعصرنا الحالي.
ومن خلال تلك الحكاية المثيرة للاهتمام، يناقش الكاتب أفكار "ابن رشد" وينقد الأفكار المتطرفة التي صاحبته وواجهته، ومن خلال حياة الشخصيتين التي كانتا كانعكاس لبعضهما البعض، ولا فارق بينهما إلا الزمن، وكأن التاريخ لا يكف عن إعادة نفسه، ولكن بشكل أكثر عنفاً ووحشية، ونرى ذلك من خلال الإرهاب الذي يُقابل مجرد أفكار يعرضها إنسان، أفكار نتاج لبحث وتأمل وإعلاء العقل على الموروثات وأصنامها، فمن كان يعتقد أن الأصنام قد هُدمت، فكيف نراها اليوم في كل مكان حولنا؟
لا أظن أن الكاتب قد أراد أن تكون الرواية حول ابن رشد وأفكاره فقط، ولا حول عشيقته التي كانت إضافة مُميزة وجريئة، ولكنه أراد التأكيد على فكرة التاريخ وتكراره لنفسه، وعلى ضرورة إعلاء العقل في مواجهة الإرهاب وأفكاره المتطرفة، وكان ذلك واضحاً في شخصية "زياد" والرمادية التي طغت على نهايته، فصراعه واحد من أصعب الصراعات بالرواية، فهل ستنقذه أفكار "ابن رشد"؟
قد تظن أن رواية بهذا الموضوع ستكون عصية القراءة والفهم، ولكن على العكس من ذلك كانت الرواية يسيرة بل ومشوقة في أغلب أجزاءها، مليئة بالحوارات الممتعة والفلسفية، تعرض أفكارها بهدوء دون صراخ، وبمنطق رشيد، وتخبرنا برزانة أننا لم نعد في حاجة إلى مزيد من التطرف والتركيز على تأويلات عن تأويلات عن تأويلات لأشخاص، بل كل ما نحتاج إليه هو أن نصغي ونفكر ونبحث بأنفسنا، وأن نجاهد جنون العالم وتطرفه بالتفكير العقلاني، أو هكذا أدعي بالطبع.