منحتنا الكاتبة والأديبة سمر الفيومي رواية بديعة يمتزج فيها الألم والحيرة والأمل والرجاء.
في البداية تعرفنا على "قسمت" وحقيبتها الوردية في مشهد مغادرتها لبيتها ولحياتها الرتيبة مع زوجها "زين" التي امتدت لعشرة أعوام وهي تردد ❞البدايات خادعة بريقها لامع❝، ثم عاد بنا السرد فتعرفنا على "كريم"، وعلى أسرة قسمت؛ جدتها "إحسان" وأبيها وخالتها و"أسامة" وأم زين.
كانت اللغة شجية والمفردات سلسة، وكانت فصول الرواية رشيقة ومتدفقة وحاسمة، كلما انتهينا من قراءة فصل دفعنا إلى الفصل التالي، فاستسلمنا في متعة حتى انتهت الرواية.
صنعت سمر الفيومي مشاهد عذبة وبسيطة، ثم غلفتها بطبقات متراكمة من الزخم والنزق والحنين، فحكايات الحياة مهما كانت مربكة هي في النهاية مشاهد صغيرة متتابعة فوق حواف الأيام والسنين.
كان الأمل يلوح بين طيات الفصول، وكان الألم يموج بين ثنايا الحكاية، وكانت الأغنيات تتردد فوق صفحات الرواية؛ أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وعمرو دياب.
تلاعبت سمر الفيومي بمسارات السرد وتوترت أصوات الرواة، كان صوت قسمت هو الصوت الرئيسي للسرد، الذي يبوح بكل الأسرار، وكانت أصواتاً أخرى تتسرب وتتقاطع معه في بعض الفصول لتعيد قراءة مشاهد في الرواية؛ صوت كريم وصوت إحسان وصوت زين، وأحياناً يتجاذب الحكي حوارات قصيرة تخفف من توتر الأصوات.
بعد أن تمكن السرد من دفع كل الأحداث والمشاعر إلى الأمام، أدركت "قسمت" أن "زين" هو الواقع و"كريم" هو الحلم، فطفقت حيرتها تقارن بينهما في كل شيء.
اكتشفت قسمت أنها لم تكن تعيش الواقع، بل كانت تحيا على هامشه، كما تصورت أن الحلم عندما يتحقق سوف يقود إلى واقع آخر لا أحد يعرف ملامحه.
عاد شال جدتها ليضيء لها الطريق ❞كلما ضيعت في الطرقات شعرت بحاجتي الشديدة لاحتضان شال جدتي، الآن أدركت المغزى من لونه "الكريمي" بين صخب الألوان الذي يصيبني بالتشتت والآلام الرأس.❝،
كانت الحقيبة الوردية هي كل ما تبقى، كانت دائماً هي الخط الفاصل بين الواقع والحلم.
في النهاية قررت قسمت العودة إلى الواقع ومعها حلم الأمومة الجديد بجانب حقيبتها الوردية وملابسها المزركشة وورودها المطرزة.
قررت أن تعيش الواقع، لعلها تجد فيه الحياة.