" المودة نسب" هذا ما قالته الجدة لحفيدتها صاحبة المذكرات عشتار.. المودة نسب أوثق من رابطة الدم، في زمن الحرب و الحب و الموت و الفقد، إذ المرأة للمرأة وعاء و حاضنة تخفف عنها عبء الحياة الذي يثقل كاهلها… ، والمودة هي ما خلفته هذه الرواية في قلبي لشخوصها، وأحداثها، ولهجة أبطالها الدافئة..رواية أخذتني إلى ذكريات الطفولة، انا الفتاة العمّانية أشاطر بطلتها البغدادية الكثير من الذكريات: أحاديث الطفولة، أحلامها، قصصها، أحلام المراهقة، وقصص حب أرخت رحالها في رياض الأدب، الشعر.
تسحرني الروايات التي تهز استقراري النفسي بهدوء سردها، بلا مبالغات، و لا فذلكات سردية، و لا تكلف، بل هي البساطة التي تجمع صديقتين، كل منهما تضع راسها في رأس الأخرى، وتسرد لها أدق تفاصيل حياتها، وخفقات قلبها.. قراءة هذه الرواية أشبه بذلك.
في زمن الحرب في ثمانينات القرن العشرين، و في لوحة بانورامية للبيئة البغدادية بمجالس نسائها و خطارها، ومذكرات الفتاة عشتار، تعرض الكاتبة لما خلفته الحرب : : الموت و الخوف من الفقد، و الرغبة في اقتناص اللحظة، و الاستغراق في الآنية: فهي مرة واحدة لا تتكرر، ولن تعود.
بيد ان ما يميز هذه الرواية عن غيرها من روايات الحرب، هو ابتعادها عن اللغة البكائية ، أو الاغراق في السوداوية..
أغادر صفحتها الأخيرة و الشوق يحذوني لزيارة بغداد، و التجول في بيوتها، ومشاركة الخطار زيارتهم، افكر في عباس،و عايدة، أعده ألا أسارع في الحكم عليه.. واحتضن فاطم وأمسح عنها تعب السنين و الخذلان… وأمضي سحابة يومي و أنا أفكر ( هل سمعت كل شيء ) حقاً.. أم أن ما لم يرو بعد أشد ألماً مما رُوي؟