عالم القرية مختلف تماماً عن عالم المدينة، جميع من في القرية عائلات يعرفون بعضهم جيداً، وللقري عادات وأفكار تتوارثها الأجيال مهما تقلب الزمان ومر وتغير بهيئتة أشكال كثيرة، لكن يبقي في العقول ما لا يذهب ولا يتغير.
لا شك أن الأجواء الريفية لها متعة خاصة يتأتي لها الناس من كل مكان بحثاً عن الهدوء وهروباً من صخب المدن ورتم الحياة المجنون الذي يلاحقهم في كل مكان، لكن هذه الهيئة التي تتزين لك وتتسم بالأُنس والهدوء ظاهرياً مُتحصنة خلف رداء الطبيعة الجذاب الذي يأخذ العقول ويُبهرها، كل ذلك يمكن أن يكون له وجه آخر شائك ومُثير لا يظهر إلا لأهله القاطنين في المكان نفسه، ولا يتكشف لغريب مادام لن يعاشرهم ولم يدخل إلي تفاصيل بيوتهم وحياتهم.
كانت الانطلاقة من جلوسها تحكي أمام رجل أصلع خمنت في البداية أنه طبيب لاتساع مجال الحكي بينهم ولذكر أنهم قابعين في أحد مشافي البلدة، لكن مع الوقت تبين أن محاورها المجهول له صفة أُخري وأن لها علاقة بأحداث مُريبة ولابد أن تتحدث.
انطلقت في حديثها منذ البداية، من اول عهدها بالقرية، لم تحب الإجابة علي أسئلة مُحددة فقررت أن تحكي القصة كاملة فالأمر أكبر من اختزاله في بضع إجابات علي أسئلة موضوعة سابقاً.
عالم الجن واسع وكبير، وممتليء عن آخرة بالتفاصيل المُريبة التي نجهل عنها أكثر ما نعرف، وإن كانت الطقوس واحدة مشهورة، فإن السياق الذي يوضع فيه الحدث داخل الرواية هو ما يجعلها أكثر إثارة وتشويقاً لكن هذا للأسف ما أفتقره العمل.
لم أسمع من قبل عن حلب النجوم، ولا أعلم ماهيتها كحقيقة أو كأسطورة خيالية، لكن الكاتبة جذبتنا بها في بداية الرواية التي كانت مُثيرة، لكن من أودي بهذه الإثارة وأذهبها بلا رجعة هو التكثيف المعلوماتي لحياة أبطال العمل وشخصياتهم وأسماؤهم الكثيرة والتي ستصيب كل قارئ للرواية حتماً بالشتات والتيه.
جزء كبير من روايات التشويق يقوم علي أثاث التكثيف المتتالي للأحداث، وحصر المواقف والحكي في عدد معين من الأشخاص وهو ما خالفته الكاتبة في الرواية التي نتحدث عنها فأُفرغت بذلك من محتواها الذي تلاشي بفعل الحكي الطويل والأحداث التي لا تنتهي للوقائع الاجتماعية.
تُري علي هناك فرق بين المُعالج بالقرآن والأذكار وبين الدجل
والشعوذة التي تُستخدم للأعمال السُفلية والأسحار؟ أم أنهما مترادفين من الممكن جداً أن يتصلا في نقطة ما يكون التسخير فيها للجن مُباحاً ؟ كانت هذه المفارقة بين الشيخ سرحان والشحات.
لم تكن رمزيات الرواية قوية، ولا إسقاطاتها المُلامسة للسياسة ذات جدوي، أسلوب الحكي بالعامية كان مُناسباً في البداية لمكان الحدث كقرية في كفر الشيخ، لكن مع الاستمرار فيه أصابني بالضجر من كثرة ركاكته، ثم كيف لشخص تكون هويتة أنه ضابط شرطة أن يقول لمُتهمه قيد التحقيق أن يحثها علي استكمال حديثها بـ " ها يا ستو أنا "،
السرد بالفصحي كان جيد لكن خلطتة بالعامية أفقدت القارئ ثُقله، وبالحديث عن الأسلوب فقد أجادت الكاتبة الحكي بباقي لهجات البلدان التي سافرت إليها نور خلال الرواية.
لا توجد سِمة في وقتنا الحالي أبرز في عالم الأدب من أسلوب الإيجاز، وهو ما بعدت عنه تماماً رقصة الثعلب الأبيض التي كان عدد صفحاتها علي أبجد ٤٩٥ صفحة! وليس للقارئ الحقيقي ضائقة بأرقام عدد الصفحات ما لم يكن هذا العدد الكبير مُصيباً للقارئ بالملل والشتات وهو للأسف ما حدث لي ولقُراء آخرين أثناء قراءة الرواية.
وهنا سؤال للكاتبة، إن كانت الرواية بها الكثير من الأحداث والتنقلات بين بُلدان ودول مختلفة فلم لم تتجزأ علي أساس القصص والحكاية المُصاحبة للبطلة في كل دولة؟!
وإن كانت الرواية بنهايتها مكتوب " يتبع " أي أن لها جزء ثان فما المانع بتعدد الأجزاء علي أي أساس لكنها ستكون أكثر إختصاراً وأكثف مضموناً وأجدي بالنسبة للقارئ.
احتوت الرواية علي الكثير من الأخطاء الإملائية وإعادة تكرار جُمل، وهو أمر مزعج جدا للقارئ المُدقق.
أيضاً كانت النهاية متعددة التويستات مُبهمة المعني فقد أرادت الكاتبة استرجاع البطلة من الفلاش باك الذي حدث في أول الرواية، وبنفس ذات الوقت فتح ممر آخر يوارب الدخول علي الجزء الثاني، حدث ذلك بطريقة غير مُناسبة ولا مُثيرة وكأنه سرد لمجرد الحكي فقط!.
اقتباسات :-
❞ (الوعي)، إنما عليك العبور بين كل الأسلحة المُسنّنة والتروس فائقة السرعة بيقظة صلبة، ودهاءٍ مُتأنٍّ وحماس حكيم … وإما أن تتمزق إربًا أو تنجو بمقام فريد" ❝
❞ فاسدة تلك المشاعر التي تُسقط صاحبها في قيعان اليأس وتنفي روحه إلى عالم الذبول. ❝
❞ ماكرة تلك العواطف التي تزج بخادمها في سبي الانتظار وتسلم رأسه إلى مقصلة الرجاء بعدما ألهته بمحاولة غبية لبث الروح في أحجار كهف جليدي. ❝
❞ أتساءل دهشةً… كم هي مُتَشَعِّبة نواحي وضواحي المشاعر، وكم تتشابه أجناسها وتفرعاتها مع اختلافات طفيفة، رغم بساطة كل اختلاف فإنه يأخذك في عالم بعيد بآلام مختلفة ومعاناة متنوعة وصعوبة مغايرة في وصفه أو التعبير عنه، ❝
#مسابقة_قراءات_قبل_المطبعة.
#دار_الرسم_بالكلمات.