"عرفت لاحقاً عندما تنشقت الزنجبيل للمرة الأولى أنه يمثل رائحة الغضب، على عكس ما تورثه رائحة الفلفل من حرارة تقرب بين الإنسان ومزاجه المشتعل." - دائرة التوابل للإماراتية صالحة عبيد 🇦🇪
يصعب وصف هذا العمل المرشح لجائزة البوكر العربية ٢٠٢٤، والذي يحفل بتقنيات روائية باتت صعبة المنال في الأدب العربي المعاصر. هنا، الزمن دائري والاستدعاءات استهلال لمكاشفات تستنفر طاقة الاستدلال عند القارئ الصبور، كما أن التّناص يخدم طاقة السّرد ويؤطّر لظرف إنساني مرتبط بقدرية لا يُفلت منها أبطال الرواية وإن استشفّوا سوء المصير.
اختارت صالحة عبيد حاسّة الشّم تحديداً كمحور لتمايز شخوص الرواية، وذلك من خلال ثلاث قصص متداخلة روحاً متباعدة زمناً، أكثرها حضوراً تلك المرتبطة بتجارة التوابل في الخليج العربي (في دُبَي قبل عقود) وقدرة الفتاة "شمَّا" سلسلة كبار التجار على تمييز مختلف الروائح والفصل في مكونات أي عطر أو خليط من التوابل ما بين قرنفل وهيل وقرفة وغيرها، بل وقدرتها على التعرف على أي إنسان من خلال "بصمة" رائحة الجسد.
تتناسخ تلك الظاهرة عبر أكثر من جيل وتصبح مجازاً عن اختلاف الفرد عن الجماعة وما يستتبعه ذلك من معاناة لا يفهمها المحيطين به ويمجّه بسببها الكثيرون ممن يأكل الحقد قلوبهم لتفرد أحد بميزة لا يمتلكونها. يمس العمل موضوعات كثيرة تشمل تنميط المرأة ودورها في المجتمعات العربية، واستدامة الممارسات القبلية التي تشمل التفاؤل والتطيّر والعلاج بغير الطرق العلمية، وتحول المشهد الطبيعي إلى مسوخ عمرانية تأكل الأخضر واليابس وتعصف بتراث ثقافي صار بائداً تحت وطأة التحضر المزعوم. رواية أحسبها "طُبِخَت على نار هادئة".
#Camel_bookreviews