"لا يُدرك الفانون أن الحياة ليست كتاباً تغلق دفتيه بعد أن تقرأ الصفحة الأخيرة."
رواية "متاهة پان" هي واحدة من أفضل روايات الفانتازيا التي قرأتها في حياتي، فهي رواية فانتازيا تشعر من الوهلة الأولى إنها موجهة لليافعين وما يكبرهم قليلاً، ولكن بمجرد أن تغوص في عالمها الساحر، ستجدها تصلح للجميع حيث أن الرواية تحمل فلسفة شديدة العمق والتركيب، وستجعلك منبهراً بكل فصولها الخيالي منها والواقعي.
تبدأ قصتنا عندما ترتحل "أوفيليا" -بطلة الحكاية- نفسها إلى بيت جوار غابة مُظلمة، تبعاً لزواج أمها من أحد قيادات النظام المُهيمنة على الحكم في ظل الحرب، فتجد نفسها بداخل صراع بين واقع فيه زوج أم ظالم وقاس، ومغامرة ساحرة مع "فاون" يخبرها بحقيقة الأشياء عن حياتها وماضيها، وجنيات تُساعدها، ومغامرات ساحرة خيالية عديدة، في ظل أن تهرب من الواقع المؤلم التي تعيشه إلى الخيال الذي برغم ظلاميته أحياناً فهو عادل، على عكس الحياة.
"أقدارنا تكمن في خياراتنا."
ودون الإمعان في تفاصيل الحكاية، تجنباً للحرق، فقد رسم "غييرمو دل تورو" حكاية تتأرجح بين الواقع والخيال، حكاية سياسية اجتماعية شديدة الواقعية، وحكاية مليئة بالوحوش والملخوقات الخرافية الساحرة، تتماس أطراف الحكايتين، حتى النهاية، وربما بعدها أيضاً، فتجد أن كل حكاية صلبة بما يكفي، مُتماسكة بما يكفي، ويُمكن أن تنظر لها كاملة من البداية حتى النهاية، دون أن تشعر بخللاً ما، وذلك، ما رفع قدر الرواية -بالنسبة لي- وجعلها هامة في روايات الفانتازيا، فقد سمح لنا الكاتب أن نؤمن بنهاية على أخرى، وضع لنا الخياران متساويان ومتماسان، عن مواجهة الواقع بالخيال، وفلسفة "دل تورو" الظلامية عن الواقع القاس.
"إنك تكبرين. وقريباً ترين أن الحياة لا تُشبه حكاياتك الخرافية."
ويطرح "دل تورو" عدة تساؤلات عن حقيقة العالم، هل نحن مسئولون تماماً عن أقدارنا من خلال اختياراتنا؟ أم أن أقدارنا محسومة من قبل؟ بكل تأكيد لا، فأقدارنا ترتكز على خيارتنا، من خلالها تتشكل وتحدث. وهل الخيال بوحوشه المُرعبة ومخلوقاته الظلامية المُهلكة، أكثر رعباً وقسوة من الواقع؟ لا بكل تأكيد لا، وحوش الواقع أكثر رعباً وقسوة من وحوش الخيال، فوحوش الواقع قلبهم كالصخر، ويتلذذون بقتل بني جنسهم لمجرد اختلاف في وجهات النظر.
المُثير للاهتمام أن الرواية كانت فيلم في البداية، "Pan’s Labyrinth" ثم تحولت إلى رواية على يد كاتب السيناريو نفسه "غييرمو دل تورو" والكاتبة الألمانية "كورنيليا فونكه"، وأدعي أن الرواية إضافة مهمة للفيلم، بل ومُكملة، تشعر بأن الرواية والفيلم مُكملان بعضهما البعض، فقد لا يهم ترتيب قراءة الرواية أو مشاهدة الفيلم، المهم أن تقوم بالاثنين لتحصل على متعة التجربة كاملة.
بالإضافة إلى أن الرواية بها بعض الفصول والحكايات الساحرة من خيال "فونكه" وحدها وبموافقة "دل تورو" عن الحكايات الساحرة التي أسسها "دل تورو" في الفيلم، جاءت ترجمة هذا العمل من اللغة الإنجليزية من قبل "مارك جمال" -لأول مرة- ورغم أن العمل مكتوب في الأصل باللغة الإنجليزية إلا أن روح الرواية اسبانية تماماً، في بناء الأحداث والخيال والفانتازيا، وحتى في الألفاظ؛ الهوية الاسبانية هي المسيطرة والوحيدة على الأحداث.
ختاماً..
"متاهة پان" واحدة من أجمل روايات الفانتازيا التي قرأتها في حياتي، رواية لطيفة ومؤثرة وواقعية أيضاً، انبهرت بفيلمها أيضاً، وملخصاً، أحببت كل صفحة فيها. وبعد النهاية، على حسب المكان الذي ستقف فيه، سترى إذا كانت الرواية ظلامية أم سعيدة أم كلأ منهما؟
بكل تأكيد يُنصح بها.