إن في نظرة الحبيب -حتى لو كانت في الصورة- شيئًا خاصًّا لا يلحظه سوانا، في عينيه كلام نقرؤه وحدنا، في ابتسامته وديان من التعابير التي تستحضرها المخيلة وتركض فيها الروح. صورة الحبيب هي طيفه، هي توقيعه الذي لا يُمحى من النفس
ترميم الذاكرة: ما يشبه سيرة
نبذة عن الكتاب
حين نكون في المكان الذي نحبّه ونألفه فإنّنا نكتفي بأن نعيش فيه. إنّنا لا نتذكّره ولا نكتب عنه إلّا عندما نكون بعيدين عنه. سيرة المكان لا تُنجز ولا تُكتب إلّا في مكانٍ خارجه. إنّك لن تستطيع أن تصف المكان وأنت فيه، لأنّك إذ تكون داخله لا تكاد تلحظ تفاصيله ودقائقه التي تتآلف معها وتلمسها كلّ ساعة أو تمرّ عليها كلّ يوم. إنّنا لا نصف ما نرى، إنّما ما نتذكّر. إنّ الذّاكرة هي من يَصف، هي التي تُعيد صوغ تشكيل الأشياء بعد أنْ نصبح على مسافةٍ كافيةٍ منها، تلك المسافة الضّرورية لإشعال الحنين إليها. *** يكتب حسن مدن سيرته (ترميم الذاكرة) فيحولها إلى سيرةٍ للكتابة نفسها، إذ يتتبّع قبل الذاكرة طرق وأساليب تشكّلها، فيمزج بين صورة ما كان، وتخطيط كيف يكون، مستحضراً في ذات الوقت عوالمه المتعددة كقارئ ومتأمل، ولا ينسى أبداً أن يشحن كل ذلك بشغفه ودهشته وأسئلته التي تجعل مما يكتب حالة من القلق الجميل الذي لا يركن إلى معنى محدّد في المشهد الذي يستذكره. يبدأ رحلته بالعودة من المنفى إلى الحنين للوطن، لكنه يتلاعب بالزمن، فيعود أكثر إلى زمن الطفولة والمدرسة، ثم يقفز نحو الصحافة، أو المدن، المقاهي أو الأحداث، في بلدان شتّى، وفي كل ذلك لا يفارقه شغف التفكيك والاكتشاف والبحث، إنه يعيد ترميم ذاكرته من خلال كتابة أجزاء منها، والترميم هنا يحدث بأدوات الكاتب الملمّ بمادته، اللغة التي ينقّلها معه في أيّ زمن شاء، فيعيدها طفلة حين يكون طفلاً، ويقفز بها نحو الحكمة حين تصقله التجارب، ويشحنها بقلق الشباب واندفاعه، وفي هذا الترميم يحظى القارئ بعوالم من السرد الشيّق الذي تملأ الأسئلة شقوقه، وتزيّن المعرفة والاطلاع الواسع للكاتب سطحه الخارجي. الناشرعن الطبعة
- نشر سنة 2023
- 174 صفحة
- [ردمك 13] 978-9921-775-69-3
- منشورات تكوين
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاباقتباسات من كتاب ترميم الذاكرة: ما يشبه سيرة
مشاركة من أماني هندام
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
أماني هندام
❞ ثمة معدن من البشر أشبه بالحجر الكريم، يزداد لمعانًا كلما لامسته.
هذا الطراز من الناس يظل مدهشًا ومثيرًا للفضول والانجذاب كلما ازددت منه اقترابًا، وعلى خلاف ما يُظنُّ من أنّ الشخص يصبح عاديًّا حين تعرفه أو تألفه أو تقترب منه أو تشعر بأنه أصبح لك قرينًا، فإن صنف البشر الأقرب إلى الأحجار الكريمة يظل آسرًا ❝
❞ هكذا كسل الدنيا يمكن أن يزحف إلى أرواحنا ويتغلغل في ثناياها ببطء حتى لا نكاد نلحظه، لكنه مع الوقت يُثقل هذه الأرواح ويأخذها نحو الموات الداخلي. حين يصمت ذلك الصوت الذي يمكن أن نسميه الواعز على السؤال. وما من عاصمٍ من هذا الخطر المحدق الذي يتربص بنا سوى تلك البرهة من الإصغاء للذات، من إرهاف السمع لذلك الصوت الواضح الصافي الذي يستيقظ فجأة لينبهنا إلى أن في الأمر خللًا ما يجدر بنا ألَّا نستسلم له. ❝
❞ لا تقاس تضحيات الإنسان بالضرورة باجتراحه لبطولات كبرى، وإنما أيضًا بحرمانه من مثل هذه التفاصيل الإنسانيّة الصغيرة، كأنْ يكون قريبًا من والديه وأهله، كأن يعيش حياته الاعتياديّة شأن أيِّ إنسان عادي، وأنْ يتدرَّج في العمر، فتأخذ كلُّ مرحلة من مراحل عمره ما هو حقٌّ لها من متعة وأسلوب حياة ❝
❞ يقف ذلك الآخر الذي هو مُعطًى لنا، أو يجب أن يكون كذلك -الذي عبره نكتشف أنفسنا- نعرف بفضله تلك الكوامن المخبَّأة داخلنا فيجعل لهذه الحياة مغزًى. طوبى لمن بلغ الضفة الأخرى التي يقف عليها هذا الآخر. ❝
❞ «نيتشه» نفسه: «إن رجلًا يحب كالمرأة يصير مِنْ هنا بالذات عبدًا، بينما المرأة إذا أحبَّت كامرأة فإنها تصير بذلك امرأة أشدَّ كمالًا». تريد المرأة أنْ تُؤخذ، تريد أن تذوب في فكرة الملكيّة لأنها تفترض أن الرجل يأخذ، إنه لا يعطي نفسه، ولكنه يريد على العكس من ذلك أن يغني أناه بالحب ويتكاثر بالقوة، إنه يفهم الحب على أساس أن المرأة تمنح نفسها وهو -بصفته رجلًا- يزداد بها. ❝
وكالعادة لا يُخيّب الكاتب الكبير حسن مدن رجائي فيه،ترميم الذاكرة كتاب بديع،يصلح كل جزء فيه أن يؤخذ كاقتباس،مازلت في البداية لكنني أستطيع القول أنني أُغرمت به ككتابه الأكثر من رائع"مدح الأشياء وذمها" الذي قرأته بالأمس وشجعني على قراءة جميع مؤلفاته❤❤