غير أن هناك سؤالا وجيها يطرح نفسه: هل الذكاء الفائق ضرورة حتمية للبقاء؟
إن قنديل البحر يحيا في البحار منذ 650 مليون عاما بدون أي وجود للدماغ على الإطلاق، كما أن البكتريا هي أوسع الكائنات الحية انتشارا على الكوكب بلا أي ذكاء!
ولذلك فالإجابة القطعية هي: لا. وكما يوضح " ستيفن هوكنج" فإنه ليس من الواضح إن كان للذكاء قيمة كبيرة في استمرار البقاء، فالبكتريا تجيد البقاء تماما بلا ذكاء، وسوف تستمر باقية بعد فناءنا إذا أدى بنا ذكاؤنا المزعوم إلى أن نمحو أنفسنا من الوجود.
ومن هنا يتضح أن المثابرة و العمل الدؤوب ولو خطوة خطوة، و النهوض بعد كل سقوط، والتغير المستمر استجابة للمتغيرات من حولنا، لهي العوامل الأهم للنجاح على المدى البعيد بفعل قوة التحسينات البسيطة ولكن أيضا المستمرة!
أسرار تاريخ الكون
نبذة عن الكتاب
"يذهب بنا المؤلف المثقف، الكيميائي، فيزيائي الهوى: خيري عبدالغني، إلى محاولة فهم رحلة الإنسان في تساؤله عن كيف نشأت وتطورت معرفته بالكون من خلال منهج علمي موثق يستند إلى معظم ما تم إنجازه في تاريخ العلم. كان الإنسان البدائي قديما يعتقد أن بعض الظواهر الطبيعية مثل الزلازل والبراكين والكسوف والفيضانات تحدث نتيجة لتأثير آلهة وأرواح، ومن هنا نشأت الأساطير في محاولة لتفسير الكون. والأسطورة غير الخرافة، فالأسطورة هي خطاب صعب التحقق منه، وهي إلى الآن تثير الخيال ويمكن الاستلهام منها في بعض الموضوعات الأدبية، كما تساعدنا على فهم كيف تصور الإنسان قديما الكون، في حين أن الخرافة هي رؤية تغييبية تستند لما يخالف العقل والمنطق. واستطاع قلة من البشر عبر العصور دراسة التغيرات الطبيعية وأدركت انها ظواهر طبيعية لها أسباب محددة وليست راجعة لغضب أو رضا الآلهة. هذه الرحلة البشرية من الأسطورة إلى العلم هي موضوع هذا الكتاب «أسرار تاريخ الكون». أي أنه تأريخ علمي لأكبر معركة خاضتها البشرية، ومازالت بين العقل/العلم، وبين الخرافة من ناحية أخرى. وقد دفع كثير من العلماء والفلاسفة أرواحهم أو تم تسفيههم والسخرية منهم، وهم يحاولون استكناه وفهم هذا الكون، ومحاولة تفسيره تفسيرا يستند إلى حقائق ونظريات علمية. في حين أن أنصار الخرافة أراحوا أنفسهم وردوا ظواهر الطبيعة للغيب، ومن هنا أراحوا أنفسهم من عبء التفكير والبحث والاستقصاء بدلا من بذل الجهد. إن ما بين العقل والجهل هو بذل الجهد. فالجهد العقلي والبحث يقودنا للاستنارة ونور العقل وفهم الكون، أما الكسل والاستسلام لآراء غيبية فلا يحتاج أي جهد...."التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2023
- 348 صفحة
- [ردمك 13] 9789772212958
- دار الثقافة الجديدة
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاباقتباسات من كتاب أسرار تاريخ الكون
مشاركة من Khairi Abd Elghani
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
Khairi Abd Elghani
إن قصة تطور الفكر البشري وانتقالها من الخرافات و الأساطير للتفسيرات المبنية على الميثولوجيا ثم الفلسفة انتهاءا بالعلم، هي رحلة تبين أن المعرفة العلمية تراكمية، وهي تعني أن صرح المعرفة العلمية يتم تشييده، على حد تعبير الفيلسوف المصري "فؤاد زكريا"، طوبة فوق طوبة، وبناءا فوق بناء استنادا إلى المكتشفات التي تفتح آفاقا جديدة دوما لفهم ما كان مستغلقا في ضوء النظرة العلمية الأقدم، والأمر يبدو كبناء يرتفع فيرى ساكنوه لمسافة أبعد مما كان يراه أسلافهم في الأدوار الدنيا. حتى إذا ارتطم مجال رؤيتهم بعائق، توجب هجر البناء المعرفي وتشييد بناء جديد في موقع مختلف يمكن من خلاله رؤية مدى أوسع لم يمكن استكشافه بسكنى البناء القديم. هذا الهجر هو ما يعرف "بالثورات العلمية". وهكذا كان الانتقال من الميكانيكا النيوتونية لنسبية أينشتاين ثورة على الأسس العلمية الحتمية، أو انتقال لبناء جديد يتيح مدى أرحب من سعة الأفق والإدراك.
أننا نصف عالما يقع تقريبا في منتصف الطريق بين ما هو فائق الصغر وما هو فائق الكبر، ونحن نحاول أن نسقط على هذه العوالم ما نظنه فهما للقوانين الحاكمة لها من منظورنا البشري.
وقد أدت المفاهيم العلمية المستمدة من الفكر و الملاحظة ثم التجريب لتعقب النظرية إلى صياغة مختلفة في الظاهر لمفاهيم الخلق عن تلك المتوارثة من أسس لاهوتية، و على رأسها قصة خلق آدم. فهل يمكن التوفيق بين الدين والداروينية؟ وهل يمكن لأحدهما قبول الآخر؟
حين سُئل "ج. ب. س. هالدين" – وهو أحد المنافحين عن نظرية التطور الدارويني- عن الملاحظة التي يمكن أن تدحض نظرية التطور إن وجدت، أجاب: "لو وجدت حفرية أرنب في الحقب ما قبل الكمبرية". أي أن تتواجد حفرية ما في غير ترتيبها الزمني.
ومن هنا صرح البيولوجي التطوري البريطاني "ريتشارد دوكنز" بأنه: لو افترضنا جدلا وقوع هذا الكشف، بأن "يستخرج أحدهم حفرية ثديية مطمورة في صخور كمبرية، عندها ستنسف في التو نظرية التطور بددا. فهي نظرية علمية قابلة للتفنيد".
وكما وضع "دوكنز نهجا علميا لإمكانية التراجع عن النظرية، كذلك وضع "وحيد الدين خان" العلامة المسلم وحجة التنظير ضد الإلحاد، نهجا دينيا لإمكانية التسليم بالنظرية بقوله في كتابه الشهير "الدين فيمواجهة العلم"، رغم معارضته لمبدأ النشوء والارتقاء االدارويني بقوة ويقين، أنه إذا ظهرت دلائل يقينية تؤيد تطور الحياة بالنشوء والارتقاء: "فإننا حينئذ سنقول بنفس الدرجة من القوة واليقين، أن هذا هو أسلوب الله في الخلق، وهو ليس نتيجة عمل مادي أعمى".
ومن هنا يتضح أن رفض الداروينية أو قبولها في الإسلام هو موقف شخصي يرتبط بفهم الباحث للنص المقدس، وقبوله لتأويل آيات الخلق طبقا لما يعتنقه من رؤى فكرية.
أما في المسيحية فكان البابا "يوحنا بولس الثاني" قد فتح الباب نحو إمكانية قبول نظرية التطور في المعتقد المسيحي الكاثوليكي، في رسالة وجهها عام 1996 للأكاديمية الأسقفية للعلوم، اعترف فيها بأن عملية التطور هي أكثر من مجرد فرضية، وقال: جدير بالذكر حقا أن هذه النظرية قد تزايد قبولها من جانب الباحثين، على إثر ظهور سلسلة من الاكتشافات في حقول مختلفة من المعرفة. وإن التقارب غير المتعمد وغير الملفق بين نتائج الدراسات التي أجريت بشكل مستقل هو في حد ذاته برهان جوهري في صالح هذه النظرية". ولكنه أردف: "إن العقل البشري يتجاوز دائما حدود العلم المادي، وإن نظريات التطور ترى العقل منبثقا من قوى المادة الحية، أو مجرد ظاهرة ثانوية ناتجة عن هذه المادة، وهو ما يتضارب مع حقيقة الإنسان".
إن بدء الكون كله من انفجار عظيم أولي أوجد المكان و الزمان و الطاقة طبقا للنظرة العلمية المعيارية الحالية لعالمنا، ربما كانت صدمة فراغ هيجز التي وقعت بفعل قفز كمومية أوجدت الفراغ كانت استجابة للأمر الإلهي "كن فيكون" و"ليكن نور، فكان نور"!
ولما وجدت الحياة لأول مرة فقد تمسكت بفرص نجاتها. وبمعرفة أن كل الكائنات الحية الأرضية تتمتع فقط ببنى جزيئية يسارية لجزيئات الأحماض الأمينية، فلابد أن هذه الجزيئات ولدت وتناسخت في بحار الأرض الأولية وعلى شواطئها الصلصالية. ومن سلالة لأخرى توارثت كل الكائنات الحية هذه البنية اليسارية لأحماضها الأمينية.
وهو ما يمكن الاستدلال به للتفرقة بين الحياة أرضية المنشأ وغيرها من أشكال الحياة الأخرى المحتمل نشأتها في أماكن أخرى بالكون تحت ظروف جيوكيميائية مختلفة.
فإذا ما عثرنا يوما ما على كائن حي وكان لمكوناته الكيميائية توزيع فراغي غير يساري فسيعني ذلك انه لم يخلق من صلصال الأرض وانه قادم من بيئة أخرى فى الفضاء البعيد.
لم يكن الإنسان العاقل الذي نعرفه بآدم مجرد كائن يتشابه من أسلافه من البشر في بنيته الجسدية وحسب وإنما فاقهم ببنيته العقلية المعقدة مع قدراته اللغوية الفريدة التي منحته القدرة على تشكيل الحضارة بالتراكم المعرفي، فأصبح خلافا لأسلافه، لا يبدأ من حيث انتهوا ليعيد بدأب نفس تجاربهم، و إنما امتاز بالقدرة على التعلم بالتراكم ونقل معارفه للأجيال التالية فيبدأوا من حيث انتهى، لنتسيد كوكبنا.
إن وصفنا لآلية الإدراك بالمخ البشري استنادا إلى مكوناته المادية فقط، لن يقدم تفسيرا لظاهرة الوعي. فلو أنك سئلت عن تحديد مكونات كتاب ما، فاكتفيت بتحليل مكوناته كيميائيا ووصفته بكونه مجموعة من الأوراق والصمغ والحبر متعدد الألوان محاطة بتغليف فاخر، فإن وصفك لن يفسر أبدا قيمة الكتاب الحقيقية ولا رسالته ولا مضمونه الذي يخاطب الوعي. إن الإدراك الحسي يمكن تبسيطه بمحاولة فهم كتاب من خلال تحليل مكوناته المادية: ورق، صمغ، حبر. ولكن مجرد التحليل الكيميائي لمكونات هذا الكتاب لا تكفي لفهم محتواه!
هناك رسالة يحملها الكتاب، تتجاوز قيمتها وأهميتها قيمة مكوناته المادية، رسالة غير مادية تتبين للقارئ بفك رموزه عبر قراءتها وفهمها بصورة رمزية غير مادية. كذلك العقل البشري يتضمن مضمونا ورسائل غير مادية تعبر عن وعيه بالعالم من حولنا.
والمآل النهائي لهذا الوجود هو الموت. وعلى الرغم من عدم وضوح الحدود الفاصلة بين الحياة و الموات. إن القصور في الطاقة: أي مقدار الطاقة الذي لا يمكن تحويله الى عمل، أو ميل الطاقة للوصول إلى حالة من القصور الذاتي أو الخمود، هي النقطة الحاسمة في تعريف مصطلح الحياة. فجميع قوانين المادة ترجع الى "القصور في الطاقة". وعلى العكس من ذلك نجد أن الخاصية الرئيسية للكائن الحي هي حالة "اللاإنتروبيا" أي قدرة الكائن الحي على خلق المركب من البسيط والنظام من الفوضى، والاحتفاظ بالنظام ولو مؤقتا في أعلى مستوى للطاقة. فبينما يتحرك كل نظام مادي باتجاه درجة أعلى من قصور الطاقة، فإن كل نظام حي يتبع عكس ذلك الاتجاه.