في بناءٍ سردي خاص جدًّا، ومن خلال استخدام لغة المخاطب منذ البداية التي تجعل القارئ متورطًا في تفاصيل العمل وشخصياته وأحداثه، يدخل بنا وحيد الطويلة «سرادق العزاء» المقام للجنازة، وخلال ذلك الطريق الذي يبدو طويلًا وبلا نهاية يستعرض لنا بشكلٍ ذكي سيرة حياة الضابط «فجنون» وعلاقته برئيس المسجلين الخطرين «ناجح» وابنه «هوجان» وما بينهما من شخصيات ومواقف وأحداث في عالم واسع متشابك ومعقد.
في مشاهد قصيرة وموجزة، وعبر عددٍ من المواقف الدالة والمؤثرة، ينسج الطويلة خيوط روايته وعالمه، ذلك العالم السفلي للقاهرة الذي يسيطر فيه البلطجية على زمام الأمور، ويمتلكون قدرةً لم تكن لهم من قبل، بل ينجح تمامًا في تصوير تغيُّر الحال مرة أخرى بين الجلاد الضابط صاحب القوة والسطوة والكلمة الأولى، وبين البلطجي/المسجل خطر الذي تحوَّل إلى جلادٍ من نوع آخر، يمتلك زمام الأمور، بل يتسبب في أن يترك ذلك الضابط عمله كليةً.
تقنيات سردية مختلفة
لا يكتفي الطويلة باستخدام ضمير المخاطب في حكايته وسرد تفاصيل قصة الضابط، بل يتوجه مباشرةً إلى القارئ أكثر من مرة وبطرقٍ مختلفة للفت الانتباه، مستخدمًا عبارات من قبيل «احترس أيها القارئ»، أو «اسمعني جيدًا»، التي تجعل القارئ متشوقًا لمعرفة تفاصيل الحكاية التي يسردها الراوي بشكلٍ حميمي ، بل يقدم له النصائح المهمة لمواصلة قراءة الرواية والتعرف على عالمها.
بالإضافة إلى ذلك نجد قدرًا من السخرية المتناثرة بين المواقف التي يعرضها السارد في تلك العلاقة الملتبسة التي جمعت بين الضابط الفنان، وبين المسجل خطرًا الذي يفرض عليه سطوته، ليس فقط في علاقتهما بل في من يظهر من شخصيات ثانوية تزخر بهم الرواية، ويمثلون أيقونات ثابتة لهذا العالم الغريب، مثل «قنبل»، والمعلم شحتة، وعبقرينو، وغيرهم، تلك الشخصيات التي يرسمها الطويلة باقتدار وتظل عالقة بذهن القارئ حتى بعد نهاية الرواية.
كما ينتقل السرد بسلاسة عبر فصول الرواية القصيرة بين ضمير المخاطب والمتكلم، بين الماضي والحاضر، بطريقة تمنح الرواية المزيد من الحيوية وتجعلها زاخرة بالأحداث والمواقف التي تكشف عن ذلك العالم. بعد ذلك كله يقترح الطويلة في نهاية الرواية على القارئ أن يغيَّر عنوان الرواية بالعنوان الذي يحبه، فيخيره بين «جمال طبيعي»، و«عشاء خفيف للأم تريزا»، أو «نظرية الشبورة» وغيرها من العناوين، مما يجعلنا نعود إلى عنوان الرواية الذي جاء فيه على ذكر عماد حمدي وجنازته.