رواية #تفاحة_أيوب
للكاتبة كاردينيا الغوازي
(الحقيقة هذه ليست مراجعة أو ريفيو وإنما تسجيل انطباعات شخصية وهوامش قارئة عادية تفاعلت مع عمل أدبي)
#الطرح
في البداية لم يكن الموضوع الرئيسي الذي ناقشته الرواية غريبًا عن النمط الأدبي الذي تطرحه الكاتبة فقد سبق وأن تحدثت عن مواضيع مشابهة في روايات سابقة وإن كان بشكل غير مباشر ويستطيع القارئ ذو النظرة المحللة أن يتعرف منها على ثقافة الكاتبة و قناعاتها وآرائها في الحياة عمومًا.. ولهذا أرى أن خط هذه سير الرواية جاء ليعبر عن ذروة نضج الكاتبة التي اختارت أن تناقش موضوعًا من الموضوعات الحيوية المهمة وقررت بذكاء أن تضع القضية في إطار اجتماعي عاطفي أعطى للرواية نكهة محببة وجعلها عملًا متوازنًا بعيدًا عن التعقيد الفلسفي أو الفزكلة أو النصح والوعظ المباشر بما يستفز البعض -وأنا منهم- وساهم هذا الطرح في أن تصل الرواية لقطاع أوسع من القراء باختلاف فئاتهم العمرية وثقافاتهم.
#المحاور
تفاحة أيوب رواية ناقشت عدة موضوعات منها المال الحرام وتأثيره في الدنيا والآخرة والفرق بين عقاب الخالق لعبده وبين تأديبه لعله يرتجع عن الحرام، تحدثت أيضًا عن النعم التي قد لا يلتفت الإنسان لوجودها إلا بعدما يفقدها، تحدثت عن البلاء والابتلاء والفرق بينهما، عن معنى الأخوة وأهمية العائلة في حياة أي إنسان، وأجابت عن السؤال الذي شغل البعض: هل خروج آدم من الجنة كان عقابًا له ولذريته أم أن نزوله للأرض كان مقدرًا؟ وألقت الضوء على لعبة المال العالمية القذرة ومعنى غسيل الأموال.
#الشخصية_الرئيسية:
شخصية أيوب -بطل الرواية- كانت معقدة بشكل أضفى ثراءً على الأحداث وأبعدنا عن تيمة البطل الخارق الوسيم، حيث جاءت الشخصية سوداوية معذبة بعد حادث كبير هز كيانه. والحقيقة أني وجدت في المكان الذي قرر الانزواء فيه بعيدًا عن حياته الصاخبة .. رغبة منه في البحث عن حقيقة ما حدث له وأسبابه.. والدليل على ذلك أنه اختار مكانًا اشتراه بمال حلال.. هذه النقطة رأيتها اعترافا منه بما اقترف من ذنوب حتى من قبل أن يدرك هو ذلك.. هذا بالإضافة لاعترافه بأن له مكانًا يستعر بذنوبه في جحيم الآخرة.
وهذا يقودنا لنقطة مهمة تتماشى مع قناعتي وهي (فطرة الإنسان) فالله وضع فيه شفرة يتعرف بها على الحلال والحرام، بوصلة تهديه لرب الأكوان وتكون دليله في حياته. تلك الفطرة يستخدمها البشر باختلاف أجناسهم وثقافاتهم وهي أيضًا ما تقود الفلاسفة الذين يدينون بديانات غير سماوية لأن يتوصلوا لبعض الحكم التي تتماشى مع ما جاءت به الديانات السماوية… إنها تلك الشفرة أو الفطرة التي وضعها الله في البشر حتى وإن ضلوا الطريق في الوصول إليه.
بعض الأشخاص مثل أيوب واثنين من إخوته رغم انغماسهم في الحرام بأكثر من طريقة إلا أن تلك الفطرة التي طُمِست وتقلصت بفعل هذه الممارسات كانت لا تزال تنبض في مكان ما بقلب كل منهم حتى لو كان نبضًا باهتًا غير مؤثر في صاحبها بينما أخوهم الرابع غلبه شيطانه حتى تغلظ قلبه وماتت فطرته فأصبح كما تقول الآية الكريمة {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} أعاذنا الله وإياكم من هذا المصير.
وهذا أيضًا ما يفسر التغير الذي حدث لأيوب بدخول بطلة الحكاية حياته والذي بدأ قبل مدة.. فالصدمة والكارثة التي تعرض لها قبل سنوات من بدء الاحداث كانت بداية تطهير الله له من المال الحرام تلتها المرحلة التحضيرية للتغيير وهي مرحلة يدخل فيها الإنسان في صراع مرير بين فطرته وشيطانه، صراع ضارٍ بين الخير والشر بداخله، النور والظلمة، الحق والباطل… فبشعور محمل بالذنب والوجع والألم قرر أيوب أن يختار منفاه (معتقدا) بذلك بأنه يعاقب نفسه لكنه في رأيي كان لا يزال في مرحلة (العند والكبر).. فلو كان يريد عقابًا حقيقيًا لنفسه لاختار وسائل وأماكن مختلفة بعيدة عن قصر خاتون ولم يهتم بأمر استبعاد المال الحرام الذي يدرك في داخله بأنه سبب اللعنة.
ثم بدأت المرحلة التالية وهي مراجعة النفس حيث ظل في ذلك الجحيم بصراعه بين فطرته وشيطانه شكه ويقينه شعوره بالذنب تجاه زوجته وطفلته. حتى تلاعبه بسارة كان في ظاهره تعذيبًا لنفسه واستحضارًا لصورة زوجته كي يخفف ذلك الألم الذي يشعر به لعله ينسى ما حدث لها بسببه وفي الوقت نفسه كان اهتمامها به هو في أشد الحاجة إليه رغم إنكاره لذلك.. أيوب كان بحاجة للعطف والرحمة ممن حوله ولم يدرِ بأن في قسوة الخالق عليه رحمة لعله يخلص نفسه من عذاب جهم.
لتدخل بطلة الحكاية إلى حياته فتستفزه وتدفعه للخروج من مخبأه والبحث عن أجوبة لأسئلته وقد تزامن هذا مع وصوله لسن الأربعين سن النضج. كلها مقدمات منطقية لحدوث التغيير.
والحقيقة أن شخصية البطلة مناسبة له أكثر من أي امرأة أخرى؛ اندفاعها الذي يستفزه بعكس شخصية زوجته الراحلة التي لم تنجح في أسر قلبه، وتربيتها السوية التي تستطيع أن تفرق بوسطتها بين الحلال والحرام هذا بالإضافة لخلفية البطلة التي تحمل قدرًا من الفقد والبؤس تتشارك فيه معه. وتفهمها لآلامه النفسية إلى جانب ما كان بينهما من تنافر زائد عن الحد والذي (أحيانا) يوحي بانجذاب مُقَنّع أو كما تقول الامثلة الشعبية ( ما محبة إلا بعد عداوة/ والقط يحب خناقه).
ويأتي هنا سؤال هام: هل اختار أيوب وجود البطلة في حياته كما كان يعتقد انه يفعل بدافع الانتقام؟ وهل وقعت هي في فخه صدفة؟ أم أن ما حدث كان مثالًا آخر لتدابير القدر لكليهما.. والجواب أن بعض المقدمات وُضِعت أمامهما كي يخطو كل منهما نحو مصيره باختياره ( لاسبقية العلم الإلهي لما هو أفضل لكليهما).
لذا أرى أن دخول البطلة حياة أيوب كان الحجر الأخير كي تكتمل بها رحلة التغيير.. الفأر الصغير الي أنقذ الأسد من الفخ رغم ضعفه.. البيدق الذي استُخدم ليتحرك الملك من رقعته الآمنة ويواجه معركته فيسمح للنور أن يغلب الظلمة بداخله ثم يأتي دور رجل الدين ليساعده في ازاحة المزيد من الظلام وفتح المجال للنور والرؤية الواضحة.
ما حدث منذ بداية الحادثة في رأيي هو رحمة من الله بأيوب وليست عقابًا مثلما قد يظنه البعض (وهو أولهم).. فالخالق يرسل اشارات وعلامات لعبده ويؤدبه تأديبًا خاصًا كي يطهره من ذنوبه، وطوبى لمن اعتبر.
وهنا أريد أن أقول أن فلسفتي وتفسيري لكل الموضوعات الدينية والعقائدية والفلسفية التي ناقشتها الرواية جاء متفقًا تمامًا مع رؤيتي وقناعاتي الشخصية.
أما البطلة ( الثانية) في الرواية فكان تعلقها بأيوب تعلق مراهقة متأثرة بالروايات التي قرأتها، أرادت أن تعيش في رواية مثلها مع بطل مشوه الجسد والروح فتساعده على تخطي أزمته. فكرة خرافية سطحية تراود بعضهن.. لكنها بمجرد أن اصطدمت بالواقع وبشخصيته الحقيقة لم تستطع التعامل معه.. حتى تشوهه لم تقو على النظر إليه!
أيوب بالنسبة لها كان (فكرة) في خيالها وليس شخصًا واقعيًا وهذا الفرق بينها وبين البطلة الأساسية التي كانت أكثر واقعية وتقبلًا وتفهمًا ونضجًا، وإن دل هذا على شيء فهو يدل على أن الامور قد لا تسير كما نتمنى ولكن هذا لا يعني أنها لا تسير نحو الأفضل.. فواحدة أرادت الدخول في حياته ولم يحدث والثانية أُرغمت وكان للقدر كلمة أخرى.
#الرمز_والاسقاط.
برعت الكاتبة كما تعودنا منها في استخدام الرموز والاسقاطات كأحد الأركان الرئيسية في بناء المشاهد بالاضافة للمسة سينمائية ساحرة -تمتعني شخصيًا- مثل مشهد الشطرنج بين أيوب وهلال وتفاصيله ورمزيته، ومشهد الحديث في الظلام بين البطل والبطلة، وكذلك مشهد الحديث من خلف الباب المغلق.
اختيار الاسماء أيضًا كان له اسقاطه ورمز التفاحة محور الأحداث وأيقونة العمل تم استخدامها بشكل موفق جًدا على المستوى الواقعي والنظري والفلسفي أيضًا.
#بناء_الشخصيات:
شخصيات العمل أتت ثرية ومتباينة ومتنوعة كل شخصية تحدثت وتصرفت كما يليق بها. ومن وجهة نظري كل منهم كانت له (تفاحة محرمة) أختُبر بها كما أختُبر سيدنا آدم. أيضًا وصف الجانب النفسي للشخصيات كان موفقًا خاصة لأبناء العريم الأربعة وتأثير المال الحرام والتُخمة عليهم وأتمنى أن يكون هناك جزء يخص أخويّ أيوب لأنهما في رأيي يستحقان فرصة أخرى.
#التوليفة:
من الأمور التي أسعدتني بشكل شخصي هو أن الكاتبة رغم جدية الفكرة والطرح لم تُسقِط الجانب الرومانسي العاطفي من حساباتها، ولم تجنح لاتخاذ دور الواعظ العالم ببواطن الأمور في طرح مباشر للفكرة وإنما نجحت في معضلة أحيانًا يفشل فيها آخرون وهي عرض توليفة تشمل هذا وذاك فجاءت الرواية كوجبة دسمة لذيذة وسهلة الهضم في نفس الوقت.
تفاحة أيوب رواية ممتعة ومميزة عشت معها وقت ثري بالأفكار والتساؤلات والبسمات ونبضات القلوب المتطايرة في الهواء.
دمت مبدعة يا كاردينيا ودام قلمك الذهبي.
تقبلي خالص محبتي❤