"فالعيون هي منابع التعبير. من خلالهما يتدفق الحب والكراهية والقبول والاستنكار."
في هذه السيرة الذاتية العذبة؛ يتحدث الكاتب "روبرت هاين" عن حياته عندما كان أعمى، وعندما استرد بصره بعد سنوات عديدة في الظلام، لنرى فرحته برؤية النور مرة أخرى.
بطريقة فلسفية عميقة يروي مُذكراته الشخصية مع العمى وكيف نال فرصة أخرى مع الرؤية. يتحدث عن الفارق الكبير بين الحياتين، حياة الظلام التي تعتمد على أصوات من حولك فقط، وحياة النور، التي يُمكنك أن ترى تعبيرات وجهه، تنظر إليه، تُخاطبه وتبتسم في وجهه.
ورغم الظُلمات التي عاش فيها، لم تمنعه أي معوقات مُصاحبة للعمى أن يكون له منتوجاً أدبياً، وحياة عملية ذاخرة بالنجاحات.
الوصف لـ"روبرت هاين" كان يتسم بشكلين؛ الشكل الأول لحياته في العمى، وهنا الوصف كان يرتكز على الأشياء المسموعة والحسية التي يشعر بها، والشكل الثاني بعدما عادت رؤيته؛ وكيف أن حتى النظر إلى الجدار كان مُمتعاً، ونعمة بالنسبة إليه.
كان دائماً ما يُقارن حالته بحالة كُتاب وأدباء آخرين؛ كيف تصرفوا في العمى الخاص بهم؟ يقتبس منهم ويحكي عنهم، وكأنه يناقش العمى معهم ويختم بوجهة نظره.
عند نهاية هذا الكتاب، وجدت نفسي مآخوذاً وذاهلاً؛ أنه أحياناً لا نشعر بقيمة نعمة مُعينة إلا عندما نفقدها، فنعمة كالبصر التي نستخدمها في شتى مجالات حياتنا، نتعامل معها على أنها أمر طبيعي ومُسلم به، رغم أن هُناك العديد من الأشخاص المحرومين من الرؤية ولا يعرفون ما هي الألوان؟ وما هو شكلهم؟ وما هي الأنهار والجبال؟ وما تعريف الجمال؟ وما مقاييسه أصلاً؛ رُبما الميزة الوحيدة -إن كانت تُعد ميزة وسط الظلام- إن خيالهم أكثر إثارة من خيالنا المحدود القائم على ما نراه أمامنا فقط، وليس ما لا نراه.
أعجبني الغُلاف جداً ببساطته والترجمة جاءت جيدة، وبكل تأكيد يُنصح بهذه السيرة الذاتية اللطيفة التي إن لم تُعلمك شيئاً، فرُبما تُريك شيئاً.