أحداث هذه الرواية خيالية لمن يستطيع أن يتخيل، واقعية لمن أراد أن يصدق، ومنصفة في منطقيتها للذين لا يعنيهم كثيرًا الاختلاف بين العالمين.. هكذا قدمت الكاتبة إيناس حليم روايتها، والحقيقة أنها تفوقت على نفسها في سرد أحداث متضافرة بين عوالم وأزمنة مختلفة، تلاعبت فيها بالسرد ووصف الشخصيات والأحداث وتنقلت بينهم برشاقة كفراشة تحط على كل حقبة زمنية فتزداد ألوانها بريقًا وتسطع أكثر. فتحت نوافذ على دواخل نفوس أبطال الرواية التي صاغتها و أحكمت تفاصيل جعلتني أتجول في شوارع الإسكندرية وتتجول الذكريات بخاطري، أشم رائحة البحر ونسيمه يحرك خصلات طفلتي الصغيرة، اسقط في حفرة مثلما سقطوا فيها معظم أبطال الرواية، منتظرة من ينتشلني من خوضي في أعماق نفسي كما فعلت الكاتبة. كلما تمعنت بالقراءة استوقفتني تفاصيلها، فأعيد القراءة فيُطلق العنان لإحساسي دون توقف. تلاعبت بمشاعري وحماسي الذي اتقد ولم ينطفئ بعد! حتى بعدما انتهيت من قراءتها، تركت نهايتها مفتوحة ولم تجزم بشيء سوى انها عرضت امامنا حقائق موثقة، وحكايا خيالية، و اسألة تحتاج إجابات. كتبت عن أسطورة من خلال حكاية موازية لمن عاشوا نفس الزمان وأجيال تبعتهم، وتواجدوا بنفس المكان وتوارثوا حكاياتهم.
شادن فتاة أرادت أن تكتشف نفسها على الورق، استنفذت خلالها أقلامًا أهدتها اياها أمها وساعة رملية، مع اخر حبة رمل فيها انهت حكايتها أو بمعنى أصح رواياتهم عن الحكاية، ثم عرضت وجهة نظرها بالمتبقي من الحبر.
استخدمت الكاتبة تقنيات كتابة عالية الجودة، تنقلت فيها بين الواقع والخيال واستندت للتحقيق والمقال، بسلاسة وخفة دون ان نتوه في تشابك الأحداث وتضافرها.
الرواية بها من الرقي ما يكفي لمحو أي أثر لقراءة عمل سيء مر من أمامي يومًا، وتيقنت أن الكتابة والكتاب ما زالوا بخير، وأن الموهبة الحقيقية تفرض نفسها على الساحة رغم العوائق.
قرأت لها من قبل أعمالًا قصصية غاية في الدقة والإبداع، فهي كاتبة تحكم أدوات القصة في التكثيف واستخدام الرموز ببراعة وجاءت هنا لتزيد انبهاري بسردها المنمق وتفاصيله البديعة المحملة ببعض الفلسفات التي لمست روحي وداعبت خيالي برشاقة.
شكرا إيناس على الإبداع، وشكرًا للقراءة والكتابة الذين لولاهم لزادت الدنيا عتمة فوق عتمتها وصدأت أقفال القلوب والأرواح التي لم تشرع على كل هذا الجمال..