أشقاء الزورق الواحد | رائد العيد
دار النشر: ديوان للنشر، والتوزيع.
عدد الصفحات: ٢٠٠ صفحة.
التقييم: ٥/٥ نجوم.
عَزيزي القاريء،
مَا ستقرأهُ في السطورِ التَالية، لَيست مُراجعة على الإطلاق، فالكتاب الذي سأتحدثُ عنُه، هو أشبهُ بـِ موسوعةٍ مُتنقلة لأدب السيرة الذاتية.
وبِدايةً.. دَعني أسألك، هل تُحب قراءة أدب السيرة الذاتية؟
إن كانَ جوابك "نعم"، فأنتَ على وشكِ إكتشاف كتابٍ سُيشبع جوعك مِن هذا الأدب.
وإن كانَ جوابك "لا"، فأنتِ على وشكِ رؤية اللذة الخاصة بـِه.
إن تاريخ الإنسانيّة مليئٌ بحكايات جمّة، أُناس كُثر، أزمانٍ مُختلفة، بأجيالٍ مُختلفة، فماذا لو أخبرتُك أنّ بإمكانِك رؤية كل هذا.. كلا..
ليس كُل شيء، فمهما عَاش القارئ، لن تكفيِه حياةٌ واحدة لقراءة كل الكتب..
ولكن سيكون بإمكانِك على الأقل قراءة أزمانٍ كاملة، لو كنتَ خالدًا ما كنتَ رأيتها.
'أشقاء الزورق الواحد' هو رِحلة إبحارٍ داخل حيواتٍ عِدة، داخل النفوس البَشريّة.
رِحلةً ما أن تُنهيها، ستجدُ نفسك شرِهًا بالمزيد.
يَنتزع الكَاتب إِنتباهك بأسئلةٍ نُفكّر بِها كثيرًا، حتى وإن لم نتحدّث بِها جهرًا. ويُجيبُ عنها بـِ سير كُتاب، وشعراء، موسيقيون، ومفكّرين، أو حتى أُناسٌ عاديون، ولكن بـِ سيرتهُم.. لم يَعودوا كذلك.
سيرٌ عنِ الدُنيا، وعنِ الأشخاص، وعنِ العائلة، والأصدقاء.. سيرٌ عنِ الحب، والمـ/ـوت. عنِ الأمراض جسدية، أو نفسيّة، عنِ الإنتـ/ ـحار، وعنِ العمى.. وحتى عنِ الفن، والكِتابة، واستخدامهِم بالعلاج.
سيرٌ عن كُل شيء، وأي شيء تقريبًا.
'أنت لست وحدك.' هكذا يُخبرنا الكِتاب، هُناك الكثيرين غيرك، مَن مر بـِ تجربتك، أو مَا شابهها..
حِكاياتٍ مُتعددة لمُحاولاتٍ لا نِهائيّة في هزيمةُ الحياة، أو التغلُب على القَدر، والكثيرُ الكثيرُ مِن الهزائمُ، والخيبات..
يَتحدث الكَاتب بِبساطة.. كيفَ أن الكُتب لم تُشعره بِالوحدة قَط. وكيف يُمكن للكُتب أن تُصبح أفضل الرِفاق في أشدِ أيامِ عزلتك، دونَ أن تحكُم عليك.
تُخبرك الكُتب عن الحيواتِ الأخرى التي قَد تَعيشُها، ولم تستطع أن تَفعل.
و رَغم أن الكاتب يُفضل أدب السير الذاتية، إلا أن ذلك جعلُه يرى الحياةُ مِن خلالِ حيواتٍ كثيرة، غير قابلةٍ لِلعد.
فـ يُخبرنا بِبساطةٍ شديدة بين صفحاتِ هذا الكِتاب، أننا نقرأ لأننا نبحثُ عن رفاقٍ لا يَتغيرون. نقرأ حتى لا نَشعُر أننا وحيدون بِهذا العَالم الكَبير.
إنّ أدب السيرة الذاتية ما هو إلا حكي المرء عن ذاته.. وأنّه رغم إختلاف أنواع السير الذاتية، فلن تهم كثيرًا، طالما أنّها كلها تستظل بِظل الذات.
فـ يُخبرنا أن السير الذاتية تُروى لأنّ حيواتُنا جَميعًا تستحق أن تُروى.
وعلى هَذا فإن حقيقة سبعة آلاف سيرة ذاتية موجودة بِالعالم، تَعني أن هُناك الكثير من الحَكي، والقليلُ مِن الآذان لِتستمع.
ولكن.. هَل كُل السير الذاتية حَقيقيّة؟
أعني، كَيف سَتعرف إن كان ما كُتب، هو مَا حدث حقًا، وليست مُحاولة من عقل الكاتب ليظهر بشكلٍ آخر.. ليغدو شيئًا لم يستطع أن يكون عليه في الواقع..؟
إن السير الذاتية أحيانًا تُكتب، حتى لا نَنسى.. ليس شيئًا بعينهِ..
لا.. بل حتى لا نَنسى فحسب.. ذكريات، أُناسًا كانوا هُنا، أو حتى حياةً عاشت في هذا العَالم الكبير..
"التاريخ يعيد نفسه" عبارةٍ نحفظُها جميعًا عن ظهرِ قلب، لذا هل يُمكن أن نُطبقها على الإنسان؟
هل يُمكن أن نَتعلّم من المَاضي..؟
ولكن يُمكن إختزال الكَثير مِن الحديث عَمّا نتعلمُه من سير الآخرين في عبارةٍ واحدة.. أنت : "لست وحدك في أحزانك".
هو يُريد أن يُخبرنا أن السير الذاتية ليست فقط لِلبحث عن إجابات، أو معانٍ الحياة..
فـ بدلًا من ذلك.. فَلنعيشُ فحسب.
نعيش السؤال، والجَواب، نعيش البحث، والإيجاد، نعيش المعاني، وحيواتنا.
"كيف نداوي الجراح اللامرئية؟" هَكذا يبدأ الفصل الرابع، ولكن.. ماهي الجراح اللامرئية؟
إنها الأمراضُ النفسية.
وأنا هُنا لا أحرق عليكَ شيئًا، بل أخبرك فحسب أن الكاتب يُخبرنا من خلال الآخرين إننا كثيرون في هذا العالم اللذين نمتلك مرضًا نفسيًا ما.
وهي نقطةٍ أخرى لأهميّة السير الذاتية، فما كنا نظنّه لم يحدث إلا لنا، قد حدث بالفعل للكثير غيرنا.
إنّ السير الذاتية تُعلمنا 'كيف نَعيشُ الحياة؟'، والذي جاء ك عنوان للفصل السادس.
هَل الحنين إلى الماضي، التلذذ بالذكريات، الوصول إلى القيمة، أو حتى رسم الطريق، هي سَبب كتابة السير الذاتية؟
أم التأكد من أنّهم عاشوا الحياة بالفعل؟
كَيف نفهم غير المُبصرين، أدباءًا كانوا، أو أُناسًا عاديون.
فـ يَقول على لسانِ أحدِهم:
إن كانوا جالسينَ وسطَ جمعٌ مِن الشخوصِ، وكانَ الصمتُ سَيد المكان. فـ هو 'الأعمى' فقط مَن سَـ يُسأل إن كانَ لا يزال صاحيًا، ولم ينم.
ولِـهذا.. التحدُث بالنسبةِ لهُم، أهمُ من التحدُث بالنسبة لنا نحنُ المبصرون..
وهنا تَأتي أهميةُ السير في فِهمُهم، أو حتى المُحاولة.
يُخبرنا عنِ الفن أيضًا، وأنّه بأحيانٍ كثيرة يكونَ علاجًا لنا.. لأرواحنا.
ويُخبرُنا أيضًا عنِ المـ/ـوت..
تُكتب السير الذاتية بأنواعِها بَاحثين عن إجاباتٍ ضائعة وسط فوضى الحياة. تُكتب لـ نطرُد وحدتنا، مواسيين أنفُسنا بأنّ هناك شخصًا ما، في زمنٍ ما، في وقتٍ ما.. سيقرأُ هذهِ الكلمات، ولن يشعُر أنهُ وحيد.
تُكتب لـ نستطيعَ التغلُب على ظلامِ أرواحِنا، أو حتى لـ نعرف كَيف نتعايشُ معها. تُكتب لـ نتعافى مِن أحزانٍ تُثقلُنا، فَـ تتسّع قلوبِنا مع كلِ كلمةِ تُغادرنا.
تُكتب لـ نتذكّر، وخوفًا مِن أن ننسى.
❞ تشكّل الكتابة طريقة ما في التمرد على القدر وضد النسيان. ❝
كانَ هذا جواب الكاتب المكسيكي 'كارلوس فوينتس' حينما سُأل عن أثر فقدانه لابنه ثم ابنته، في مسيرته الأدبية.
مِن المُريح أن يَعرف كَاتب السيرة أنه لا يُنسى، أو أنّ من يكتُب عنُه أيضًا لن يُنسى.
❞ هل نكتب عن الأموات بحقيقتهم أم نكتب خيالاتنا عنهم؟ ❝
كَتبت الرِوائية الفرِنسيّة 'آني إرنو' بعد وفاة والدتها، سيرة عنَها، فقد خافت أن تنسى.. رُبما.
«ألن يختلف شيء في العالم بسبب هذا التغير الجذري الذي أصابها؟» هذا مَا تسألُه 'أنيسة عصام حسونة' حينما مرِضت.
إن أعدنا صِياغة السؤال، لـ يُصبح: ألن يختلف شيء في العالم بعد قراءةِ سيرِ الآخرين؟
'أشقاء الزورق الواحد' هو كِتابٌ واجبٌ قِراءته على كلِ قارىء.
والأكيد أنّه سَـ يملأُ قَائمتك بِالمزيد مِن كتبِ السير للقراءة.
❞ كل كتابة هي ركض عكس الموت، أما كتابة السيرة الذاتية فهي صرخة مستمرة أثناء هذا الركض. ❝
#ترشيحات_سلحفاة_قراءة 🐢📚