اقتباسات من رواية روح واحدة

؛ يا لجمال الإسكندرية! إنها فاتنة! لم أرَها هكذا في أيِّ يومٍ في عمري، مبانيها شاهقةٌ وجداوِلُها منسَّقَة بجمالٍ باذخ وحدائقها ممتدَّةٌ بلا نهاية، والبحر أمامَنا مليءٌ بالسفن الحربية الضخمة على مرمى النظر، وعشرات بل مئات مراكبِ الصيد المبهِرَة بألوانها الزاهية ورسوماتها المبهجة.

لا أريدُ أن يقول لي الإله في يوم الحساب إنني لم أتركْكَ دون أكلٍ أو ماء فلِمَ تركْتَ الأرضَ تبور إذًا؟ لا أريدُ أن تحزنَ مني الأرضُ وتلومني إن تركتُها قاحلةً ومنعتُها أن تؤدِّي دورَها في الوجود لا أريدُ أن تطاردني الثمار في مناماتي ...

هذا الشعب أعظمُ الشعوب، هو الذي جعلَ روما إمبراطوريةً وجعلَك هنا مديرًا عامًّا، نحن وأرضُنا من نُطعِمُ روما منذ مئتي عام وقبلهم اليونان، نحن الذين جعلوا منهُم سلَّةَ غذائكم لتكبرَ بلادكم وتحكُمَ العالم.

أما النيل فأنا هو بتموجاته وبسريانه وبتخلخله في الزرع والتراب منذ مولدي وأنا أحاولُ أن أجارِيه في خيرِه وانطلاقاته لا أحبُّ أن أكون أقلَّ منه وإن كنتُ أعرف أنني أقل، وأقلُّ من الأرض الطيبة أيضًا؛ إذ يمنحون كلَّ شيءٍ ولا ينتظرون منا شيئاً.

يتصوَّرُ هؤلاء الرومان أن الأمرَ هو حرثٌ للأرض ونثر للبذور وريٌّ ومداومة على نزع الحشائش فقط ‫ وأضافَت تمي بحماس: ‫ - لا يعرفون أنَّنا نزرع بقلوبنا، نحن والتراب والماء قومٌ واحد؛ ينتمون إلى نماء الأرض ‫ ثم أضاف رحون: اختارنا الإله الأعظم كي نمنح الآخرين ما يتغذون به كي يستمروا في الحياة.

عرفت أن الحبَّ أهمُّ عقيدةٍ في الكون؛ لا نستطيع معه إلا أن نستجيب. إذا جاءَك الحبُّ فاستمِعْ إلى صوتِ الندى واجعله يسكن في أعماقِك، وتنفَّسه بروية؛ إذ أنَّ كلَّ شيء في الكون يحتاج للحب كي يرويه.

من نواحي مسجد الرفاعي؛ انطلق صوتان مزدوجان في نبرةٍ قوية تُعلِمُ الحاضرَ والغائب بنداء الله، ومن مسجد السلطان حسن يعلو صوتٌ رشيق فوقهم جميعًا كأنه غزال الأصوات ونفير الوحي؛ يعلو ويهبط ويتغزل في الكلمات وينطلق بها في فضاء السماوات، فتُطرِبُ الطير وتسبح بحمده.

‫ - لا! سجية مختلفة عن كلِّ من سمعت، إنَّها تغني لحنًا نادرًا وصعبًا، وتُرنِّمُ بطريقة الميليسيما مثل تسبيح الملائكة، أي أنَّها تُسبِّحُ وتزيد علوًّا إلى الأبد… إنها ملاك بلا شك! (ثم استدار نحوي تكلا بتركيزٍ أكبرَ) أتحفظين أشياء أخرى؟

أبونا بولس هو ملاكٌ كبير وذهب بي إلى عالمٍ آخرَ، إذ أن قلبي الآن ليس هو نفسهُ والقشعريرة ملازمةٌ لي ورغم أنني موقنةٌ أننا في قاعةِ طعامٍ بدير المحرق مع أناس لا أعرفهم؛ لكن وجداني معلَّقٌ في السحاب، ليس معهم ومعهم.

دخل سمعان أحد أقاربنا مندفِعًا وصارخًا: ‫ - يا عم صمويل! يا عم صمويل! وصلتُ لتوي من دير المحرق، ويريدونَك أن تذهب إليهم غدًا بشكلٍ عاجل ‫ ردَّ عمي بقلق: ‫ - خيرًا! ألم يخبروك السبب؟ ‫ - لا أعرف والله.

م، أنا كبرت ولم أتزوج، لكنني سعيدةٌ هكذا ‫ ولكلٍّ منهم مكانه الخاص في قلبي هذا أبو زعرورة، وتلك الرقَّاصة، وهذا أبو قويق، وتلك أم سواهي؛ وغيرها من سربي الجميل وقبيلتي الصغيرة سرهم في أحضاني، وبراءتهم أمانة في عيني ...

سأتم التاسعة عشرة، أحب هذا الرقم جدًّا لأنه عمر القديسة كاترين عندما استُشهِدَت سمعت قصَّتَها مرات ومرات، وكنت أتخيَّل شجاعتَها وأتعجب؛ كيف يكون للإنسان استهانة بالموت هكذا حتى لو كان قدِّيسًا؟! ‫ كل مرة كنت أتذكرها كانت تدبُّ فيَّ قوة غريبة، واليوم أتم سنها الذي توفيت فيه.

لم نصلْ إلى شيءٍ في عجالة؛ يحتاج كل أمْرٍ عظيم في الكون إلى أن يتخمَّرَ، فما بال الواحد بخميرةِ روحه؟! ‫ لقد وصلنا يا سيدي، ويا للمعجزة! إننا هاهنا، وهكذا، بكل هذا الأمل الذي يملأني، وكل الألق في قلبي الصغير؛ الذي لم يعد صغيراً

الحمد لله على نعمة اكتمال الرحلة! أوحي لي أن الرحلة اكتملت، وأدوارنا هناك قد أُدَّت، وسننجرف هنا إلى أعمال أخرى، وربما إلى حيوات جديدة، إذا أرادت مشيئته، وأذن لنا بالبيان، وسمح لنا بحكاية قصصنا لنطل بها على الأسرار الكبرى.

⁠‫