أظننا نتفق جميعا أنه ليس للمساء إخوة . لم يكذب علينا أبدا وديع سعادة في هذا الإدعاء. فالمساء دائما و أبدا لا يحب الشركاء فإما أن تكون سعيدا متوحدا مع حبيب و وليف تشعر معه بأنكما واحد ليس في الكون سواه و إما أن تكون في نوبة معاناة و كمد و فقد و توحد مع ذاتك. لا يحب المساء الشركاء و لهذا يلفه الصمت و السكينة و الظلام و يتدرع بالخوف و الظلال الداكنة و الهسيس و الوشيش و الوسوسة الحلوة منها و المهلكة. إن أحسست حقا بالمساء فستدرك أنه بالفعل ليس له إخوة.
عندما صرخ وديع سعادة المياه المياه كان مدركا لماهيتنا و يعرف أننا من ماء و أن الماء امتزج بعد ذلك بكل شيء و أول ما امتزج امتزج بالهواء فصرنا فقاعه صعدت إلى السماء و صارت تفكر لذا سمى نفسه رجل في هواء مستعمل يقعد ويفكر في الحيوانات فيما شاهدت أنا كل ذلك من مقعد راكب غادر الباص و عندما فكرت فيما حدث و لم أجد له أي تفسير سألت وديع نفسه الذي أجاب بلا ثقة أو يقين كعادته أن ذلك يحدث بسبب غيمة على الأرجح و أنها لا تعدو سوى محاولة وصل ضفتين بصوت . في الحقيقة فقد تهت منه و معه رغم أنسي به و امتناني لعذب حديثه إلا أن حضوره طغى و غيابه فاق الحد حتى صار للحضور غياب و للغياب نص أسماه هو نص الغياب و جعلت أبحث فيه عن تركيب آخر لحياة وديع سعادة فما أدركته إلا كما يُدرَك ريش فى الريح و لم يكن ثم إلا غبار فصحت في نشوة البحث و خيبة الفشل أن قل للعابر أن يعود نسي هنا ظله و صرت أتتبع الظل حتى نعست عيناي بعد أن ثقلت جفوني و حملتني أرجلي خلف الباب الذي تبعتني إليه نظرة غريبة و مجهولة استقرت تماما أمامه و قبعت ككلب وفي ينتظر صاحبه إلى أن يفيق من غفوته و لكن لما أفقت لم أجدها فرددت مع وديع من أخذ النظرة التي تركتها أمام الباب؟ و انتهت رحلتي معه كما بدأت قبل ثلاث سنوات و ان كنت أنا الأن لست نفس الشخص الذي لم يكن قد قرأ لوديع بعد.