اقتباسات من كتاب شيء من الحرب: الجزء الأول: السلاح السري

القاهرة كالعهد بها دائمًا مضيئة، القاهرة كالعهد بها دائمًا تموج بالحياة، وتنبض بالحيوية، وتخفق بالعزة وبالكرامة، القاهرة الحية النابضة كالعهد بها دائمًا ستظل مضيئة لن يستطيع أعداؤها، لن يستطيع الحاقدون عليها، لن يستطيع أعداء الحياة أن يطمسوا هذا النور

‫ والآخَر في القاهرة، أسلحة أخرى تبدو خفيفة، لأنها لا تُصدر أصواتًا مزعجة لكن الكل يسمعها بوضوح، لا تُميت بل تُحيي، لا تهدم لكنها تبني، لا تُدمر لكنها تصيب الأهداف بدقة وبراعة، لا تُخيف وإنما تبث الطمأنينة، لا تُشعل النيران

لكنها تشعل الأفئدة، لا تسير في الظلام بل تعيش في النور، يراها العدو بوضوح لكنه لا يستطيع قتلها، أو إسكاتها رغم أنه لا يمكن إخفاؤها؛ لأن قوتها في ظهورها ‫ تلك الأسلحة ليست أكثر فتكًا، لكنها أكبر أثرًا، وأشد تأثيرًا، وأبقى سيرة، وأطول عمرًا، وأكثر عمقًا، ولا يمكن أن تصل إليها طائرات العدو، ولا مدفعيته الثقيلة مهما بلغ مداها، ولا أحد يمكنه إبطال مفعولها، أو النيل منها، أو ضربها، لأنها أسلحة لا تضرب الوجوه، وإنما تصيب القلوب، وتسكن الوجدان، وتصنع البهجة والأمل.

من هنا بدأت مصر تستعيد نفسها؛ واجهت الحزن بالابتسام، وبدأت الصمود من استديو الإذاعة، وقاعة السينما، وخشبة المسرح، وحفلات المجهود الحربي، ليصير الظلام نورًا يضيء طريق الجنود على خط النار.

وتشهد مصر خلال ست سنوات أهم الحفلات الغنائية وأخلدها وأعظمها أثرًا، وتعيش أكثر سنوات المسرح رواجًا وتنوعًا، وأكثر فترات السينما ازدهارًا وألقًا

ربما تسأل الآن: هل هذه هي الحرب؟

‫ وأجيبك: هذا «شيء من الحرب»، وما زالت هناك أشياء أخرى تستحق أن تُروى.

لم يخطر ببال أحد أن تخرج مصر من «حمام الملاطيلي»، لتدخل الحرب، كأن الفيلم الذي عُرض لأول مرة في الذكرى السادسة للنكسة لعب دورًا في خداع العدو.

عن مسرحية البغل في الابريق من روائع المسرح السياسي لفرقة تحية كاريوكا

ذهب من لم يستطع مشاهدتها في المرة الأولى إلى مسرح ميامي ليعرف سر تلك المسرحية التي تدخَّل كبار رجال الدولة لمنع عرضها، ونجحت المسرحية للمرة الثانية، واستمر عرضها لمدة عام كامل

لكن أحيانًا يكون الخيال أقوى من الواقع، والشائعة أذكى من الحقيقة، وقد يصعب التفريق بينهما.

تتوقف الأغاني التي تطالب عبد الناصر بالعدول عن قرار التنحي، بينما اختفت الأغاني التي تمت إذاعتها قبل وفي أثناء الأيام الأولى من النكسة، ولم يعد مسموحًا بإذاعتها مرة ثانية، وذهبت جهود كبار المطربين، والشعراء، والملحنين سُدى، ولم يعد لذكرها أثر،

إلى…

‫ أجمل ما في الدنيا…

‫ أكتوبر اللي انتقم ليونيه

وابتسمت حين سمعت الرئيس السادات يقول: «سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقصّ ونروي ماذا فعل كلٌّ منّا في موقعه، وكيف حمل كلٌّ منَّا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء».

وأظن أنه قد حان الوقت لنقصّ ونروي 💪🇪🇬💪

هذا هو السلاح السِّرِّيّ الذي كانت الدنيا بأسرها تعرفه، لكنها لم تستطع أن تقف أمامه، قد تُهزم الأسلحة الثقيلة، لكن هذا السلاح لا يمكن هزيمته أبدًا،

قد تتراجع الدبابات لكن الكلمات لطالما كانت أقوى من طلقات الرصاص،

فربما تصمت المدفعية لكن أصوات المطربين لا تخفت،

وقد تُضرب الطائرات في مواقعها؛ لكن الألحان لا يمكن هزيمتها،

وقد تنفد القنابل؛ لكن تبقى الأغاني تُسيل الدموع.