"كُنت في غاية الحزن. أبكي بكاءً داخلياً لا ينقطع."
هذا الكتاب هو سيرة رحلة المرض مع "أسامة الدناصوري" الشاعر والكاتب، الذي -وأقتبس من كلماته- يرى المرض أنه "يلضم" حياته سوياً، وكيف لا، وهو الذي وجد نفسه يُعاني من الأمراض منذ الطفولة، حتى توفي على سرير المرض في يناير 2007، بعد حياة طويلة من الصراع، مع ذلك الوحش الكاسر الذي لم يتورع في الفتك بمن يُنزالهم، ولكن "أسامة الدناصوري" كان مُقاتلاً صعباً، نعلم أنه خسر، وخسرناه، ولكنه كافح، وناضل، ولم يستسلم، تستطيع أن تلمس أي شخصية هو، ومن أي معدن كان، من خلال حكاياته عن المرض، وسيرته التي كتبها بخفة ولطف، على عكس كل تلك الآلام التي نعرف أنها موجودة ومُسيطرة على حياته.
ما يُميز هذه السيرة، هو الوضوح والشفافية، فـ"أسامة الدناصوري" يحكي حكايته بلا تذويق أو تلميع، كما هي، بكل لحظات الذل، والسخرية، والمعاناة، بكل لحظاته السيئة وأكثر لحظاته عُرياً ليس جسدياً فقط، ولكن فكرياً، هنا "أسامة" يكشف أفكاره، كل شيء مهما كان غريباً وغير ملائم، كأنه يعتبر القراء كلهم أصدقاءه، وصدقني بمجرد أن تبدأ في أول صفحات هذا الكتاب ستعد نفسك واحداً من أعزاءه.
نحنُ نعرف المرض، ونعرف كيف يُمكن أن يكون فتاكاً بالمرء، نزلة برد عابرة قد تجعلك ترقد في سريرك بلا حراك، تغيب عن الدُنيا في عالم الحُمى والهذيان، تقوم من هذه الوعكة، وأنت كارهاً لكل تفاصيلها، العجز، عدم القدرة على أن تُصبح عادياً، فكان العادي بالنسبة لأسامة هو الفشل الكلوي، كان العادي بالنسبة له أن يكون مريضاً، وأن يكون الألم عند درجة مُعينة، أوصاف "الدناصوري" لحالته، وتعقيدها، يشرحها لك لتعرف وتفهم كيف أن مرضه لم يكن بالشيء الهين، ووسط كل ذلك، لم يكن يطلب أن تتعاطف معه! لم يطلب أن تُشفق عليه، كان يحكي حكايته بشجاعة وبسالة، كما عاش حياته، وسط أصدقاءه وعائلته، وأضف إليهم قراءه؛ نحن، الذين أحببناه من كلماته فقط. وبرحيله فقدنا عزيزاً.
ختاماً..
هذه السيرة المؤلمة تستحق أن تُقرأ، مكتوبة بلغة بسيطة وبخفة رغم الألم والوجع والمرض والحزن، لكن في أحلك الأوقات سيجعلك "الدناصوري" تبتسم وتضحك لخفة دمه الجلية، ولطرافة المواقف التي تجعلنا نضحك، رغم ما نمر به.
بكل تأكيد ينصح بها.