#رفات_نبي 📚 #أمير_حسين ✍🏻
《كلنا نمر بلحظات ضعف، كل البشر ضعفاء، المشكلة تكمن في عدم رغبتنا في الاعتراف بهذا الضعف، نريد دوماً أن نبدوا مثاليين أمام الآخرين، مع أننا نعلم أننا لسنا كذلك، وهم يعلمون نفس الشيء، فلماذا نغرق في هذه الدوامة؟ لماذا لا نتعامل ببساطة و نقبل الضعف على أنه قدر موزع على الجميع؟》
يحملنا الكاتب إلى عالمٍ نَسجهُ خيالياً يحمل من الواقعية الكثير، يقبع بين التاريخ الذي بدأت فيه أُسس تخيل الكاتب للأحداث و الحاضر الذي وضع قواعد العالم الروائي فيها. رسم فيه معالم جغرافيا و تاريخ ذلك العالم و اهتم بها كما اهتم تماماً بتفاصيل الشخصيات و الأحداث و اللغة.
ما بين الراوي - البطل الباحث عن حقيقة نفسه و حقيقة ما حوله، و صاحب القوة و السلطة المتسرع ذي الرأي و البطش، و التابع أعمى البصيرة الذي لا يفكر و الآخر الذي يسير وقد أعمى بصره متعمداً، و من تمتلك المعرفة المحرمة فيؤخذ برأيها سراً، و تلك التي لديها العلم بأمر الرب و لا يعرفه أحد غيرها فتُسيّر العوام على هواها دون أي اعتراض منهم، و الزنديق الكافر في نظر الآخرين لمجرد اختلافه عنهم بلا أي دليل على فساده، الفاسد حقيقةً ذو الحيلة و المكر الذي ترى الجميع في صفه، و الرقة متجسدة في حكيمة تجدها دوماً كعون و صديق.
مُعبراً بعمله عن القوة، و الخوف، و الجوع، و الحب، والوحدة، و الصحبة، و الأهل، و الخيانة، و الكذب، و الحقيقة، و النصح، و العلم، و الجهل، و الضعف، و الاستكانة، و التخطيط، و الطموح، و البحث، و الوصول، و التيه، و التضليل، و المساعدة، و الفقد، و الأنانية، و الإنتقام، و المعرفة، و السكينة.
و يروادك السؤال:
عندما تدفعك محاولاتك في إظهار الحقيقة و مساعدة من حولك، على الرغم من دفاعهم المستميت لقمعك و تهميشك، إلى الغرق في بحر من الغضب و الحقد و الأنانية.. من الذي يجب أن يقع عليه اللوم في ذلك؟ و هل يكون ذاك التحول في شخصيتك صحيحاً أم خاطئاً؟
ثم ماذا لو .. كان اقرب الناس إليك هم من يحاولون محو هويتك، و تعليقك بآخر؟ تُنادى مُكنى باسمه، و تحيّا ظلاً له، فإذا ما خرجت عن صمتك و حاولت وضع بصمتك .. واجهوك بالرفض و القمع و التهميش؟!
و ما الذي يدفع إنساناً لاتباع آخر؟
أما الإجابة:
إن كل فعل هو رد لفعل قد سبقه، و ما يأتي لاحقاً هو نتاجٌ طبيعي لما قد كان سابقاً.
و كل تغيير هو مواجهة لنفسك و لما و من حولك، أما لحظة الحسم فهي اللحظة التي تتخذ قرارك فيها و تبدأ التنفيذ.
أما التبعية، فستجد الكثير من الإجابات التي تبررها، فالسطوة، و القوة، و النفوذ و المال جميعها أسباب تبررها.. و لكن اخطر هذا المبررات على الإطلاق هو المعرفة، من يمتلك علماً ليس لديك أو يوهمك بذلك سيجعلك تابعاً له، سواء كنت على دراية أو لا .. ستتبعه، لكن الناجي هو من يُحكّم عقله و يرى الأدلة من حوله.
لا يتوازن الكون إلا بوجود مسارات، تُقدِم عليها مُخيراً لا مُسيراً، فكُلٌ منا لديه حق التفكر و النقاش و الاقتناع، و من ثم الاختيار.
~ الفكرة: فلسفية، وجودية، طال البُعد الديني جوانبها، لكن.. لم يتناول الكاتب تلك الأفكار بأسلوب معروف أو مسبوق، بل صنع منها عملاً أدبياً بطريقته الخاصة، طريقة سلسة و سهلة لا تُشعر القارئ بعمق الفكرة المهول، ولا تُعطي له سبباً للنفور منها.
~ الحبكة: حبكة محكمة، تنساب فيها الأحداث و تتصاعد ثم تصل إلى نهاية حتمية لابُد منها بعد كُلِ ما جرى، تقتح باباً لبداية جديدة تحمل ما تحمل من متغيرات و صراعات.
~ الشخصيات: كُل منها له موضعه و هدفه و أدى دوره في العمل على أكمل وجه، تراهم و تتخيل ملامحهم حتى و إن لم يقم الكاتب بوصفه جميعاً شرحاً و تفصيلاً، قد تطورت الشخصيات بواقعية، و وصل كُل منها إلى ذروة مسيرته، ثم هبط إلى النهاية باقناع تام.
~ اللغة: عربية فصحى، سرداً وحواراً على قلة الحوار فيها، حملت العديد من الجماليات اللفظية و البلاغة اللغوية دون صعوبة و دون استخدام لحشوٍ زائد أو مصطلحات ذات وقع مجلجل بلا داعٍ لها.
~ العنوان و الغلاف: عنوان مُلفت، سيتوضح معناه عندما تقرأ و تصل إلى آواخر الصفحات .. و الغلاف معبر، بسيط بألوان مريحة للوهلة الأولى، حمل النوارس و تلك البقعة من اللون الممتزج خلف العنوان، الذي يوصل لك شعوراً بالتغيير، تعبيراً عمّا يتمازج من صراعات في العمل.
~ النقد: لا أمتلك نقداً واضحاً و مباشر للعمل - كل مافي الأمر أني كنت أسير مع الأحداث و أتتبع الشخصيات بكل رضا، كانت تستفزني التغييرات، و لكن لم تُفاجئني ردود الأفعال، كان كل ما في هذا العمل نتاجاً طبيعياً لتسلسلٍ تم كما هو متوقع. و لكن .. متى كان ذلك عيباً؟ في الحقيقة هو أمر قد يكون مقصوداً من الكاتب، تسليط الضوء على المغزى لا على إثارة القارئ بتزاحم الأحداث وحسب. إذاً خلاصة القول أنه لا نقد لدي، وإنما إعجاب متزايد، بقدرة الكاتب على إيصال الفكرة الشائكة دون تعقيد، بل و احترامه للقارئ بتقديم التفاصيل منطقية و متلازمة مع صلب العمل عبر مزجه لعالمه الخيالي مع واقعنا المعروف.
* عدد الصفحات: 174
* مدة القراءة: ساعتان - متفرقة - قراءة بطيئة .
* التقييم: 5/5
ليست أولى قراءتي لِ أمير حُسين، و حتماً لن تكون الأخيرة طالما أن الكاتب يجود بقلمه، كلنت و لاتزال لُغة أمير تُمتعني، تصويراته للأحداث مرحبا صياغة الشخصيات مادياً و معنوياً تَمسُ شيئاً ما في داخلي، مما يدفعني لقراءة ما يكتب بمزاج عالِ.
في الحقيقة كُنت انتظر قراءة "رفات نبي" منذ اليوم الذي علمت عنها فيه .. دفعني إعجابي باقتباس منها إلى تتبع أعمال الكاتب، انهيتها جميعاً، و انتظرت الدرة الأخيرة، أتابع آراء القراء عنها و أرى اعجابهم بها فيزداد حماسي لها، إلى أن وصلتني. تجربة مميزة جداً تراها و تشعر بها بينما أنت تقرأ، و تنتهي إلى أنه حقاً لم يكن سوى رُفات نبيّ، كل الشكر للكاتب و في انتظار القادم بإذن الله.. دمتم بخير ♡
#Farah♡