" العدل أساس المُلك " ... هذا هو المفترض أن يكون عليه نظام أى حكم. الحقيقة أن بلادنا العربية والإسلامية - بلا استثناء - تضرب بعرض الحائط هذه القاعدة البديهية وتستبدلها بمسميات أخرى ذات شكل خارجي براق ولامع - على غرار حماية الوطن المستهدف أو الدفاع عن الدين من أعداء الله ... الخ - لكنها فى الحقيقة أبعد ما تكون عن هذه الأهداف المُعلنة. هى فقط مسميات لحماية من يجلس على كرسي الحكم وضمان بقاءه الأبدي فى السلطة.
" الظلم أساس المُلك " ... هذا هو الواقع المرير. استخدم كل ما تملك من أدوات للبطش والقمع وأرفع أحد شعارين لا ثالث لهما. حُب الوطن والدفاع عنه من المأجورين والخونة أو الدفاع عن الدين من أعدائه والمتربصين ، وكلا الحالتين عبارة عن كلام مطاطي لا يحكمه إلا هوى من يحكم فى تحديد من هم الأعداء أو المأجورين ... الخ. باختصار ضع فى القائمة كل من لا يروق لك ويمثل تهديداً حقيقياً لبقائك فى الحكم. سواء كان الحكم دينياً أو عسكرياً أو ملكياً ، فهى كلها وجوه متعددة لعملة واحدة هى الديكتاتورية.
الرواية تدور حول ملابسات قضية إعد،ام ريحانة جباري فى إير،ان بدون أى سبب حقيقي غير كونها سُنية فى بلد يحكمها نظام شيعي. تلفيق اتهامات لها بدون أى دليل ، شهود زور ، انتهاك تام لحقوقها ولشخصها فقط لأنها دافعت عن شرفها ضد ضابط استخبارات إيراني قذر - شيعي بالطبع - يستغل سلطته ومنصبه لتلبية شهواته المريضة.
هذه حادثة معروفة للجميع وشهدت حالة كبيرة جداً من الجدال حولها من المنظمات الدولية والحقوقيين. بالطبع النظام القمعي فى إير،ان يضرب بعرض الحائط كل القوانين والأعراف الدولية والمحلية وينفذ الحكم على ريحانة لا لشىء سوى أن يظل الشعب راكعاً وخاضعاً للأبد.
لو لم يكن الكاتب مصرياً لظننت أني أقرأ رواية مترجمة. الحقيقة الكاتب نسج خيوط روايته بمنتهى الدقة وكأنه كان يعيش هناك ويعرف ملابسات القضية. هذا يعود بالطبع لأن الكاتب يعمل محامياً بالأساس.
سنعيش قصة حياة ريحانه منذ طفولتها وحتى لحظة تنفيذ الحكم. سنعيش مدى الظلم والقهر الذى يحكم بلادنا العربية والإسلامية باسم الدين تارة وباسم الوطنية تارة أخرى.
هى رواية عامة وتشمل الجميع. ستشعر وأنت تقرأها أنك لا تختلف كثيراً عن ريحانه مهما كانت الدولة التى تنتمى إليها. الجميع يخضع للظلم والقهر بشكل أو بأخر.
رواية قاسية جداً ، بديعة جداً ، حقيقية جداً جداً ، تحمل بلاغة فصيحة فى اللغة المستخدمة تنم عن موهبة واضحة يمتلكها الكاتب.
تجربة أولى أكثر من رائعة مع الكاتب ستجعلني بكل تأكيد أقرأ له المزيد من أعماله الأدبية الأخرى.
أنصح بها بكل تأكيد فقط لمحبي هذا النوع من الأدب وعلى أصحاب القلوب الضعيفة ومرهفي الحس الابتعاد.