تنويه:
الحوار في الرواية بالعامية التي تحتوي على بعض الكلمات الخارجة والنابية.
---------------
المميزات / نقاط القوة:
- فكرة / حبكة ذكية جداً ، رائعة جداً ، مبتكرة جداً. اسقاط شامل وبارع فاق توقعاتي.
- سرد متناغم يقدم الاحداث بشكل جذاب ولا مكان للاسهاب او المط والتطويل.
- اللغة على قدر بساطتها على قدر مضمونها العميق والقوي جداً.
- نهاية مبتكرة جداً زادت النص روعةً وجمالاً.
-----
العيوب / الملاحظات / نقاط الضعف:
- الشخصيات ليست هي بطل الرواية الأساسي لكن في مجموعها شكلت العنصر الخاص بها كأفضل ما يكون.
---------------
مراجعة الرواية:
قُلت من قبل وسأظل اكرر ان الرواية الرائعة تُقدم نفسها للقارىء بعد قراءة بضع صفحات فقط. ( طيران ) لا تشذ عن هذه القاعدة بل تؤكدها اكثر واكثر.
الفكرة هي اساس اي رواية. الفكرة الذكية هي اساس الرواية الرائعة. ( طيران ) هي رواية الفكرة والحبكة المبتكرة. لا اريد ان اغفل اهمية باقي عناصر الرواية لكن عندما نتحدث عن العمود الفقري لهذه الرواية فلا جدال انها الحبكة.
الروايات التي تناقش قضايا حساسة او مصيرية في اي مجتمع تحتاج لنظرة شاملة وحيادية وبعيدة عن العاطفة. القليل من هذه الروايات ما ينجح في اثارة اعجابي حيث تمثل الأغلبية منها مجرد متاجرة بالقضية لاسباب مختلفة ايدلوچية ، فكرية ، عاطفية ودينية ايضاً.
من منظور عين الطائر قدم لنا الكاتب روايته التي حملت عنواناً دقيقاً سواء كأسم او كمضمون.
هيا بنا نتعرف على مواطن جمال هذه الرواية.
* الفكرة / الحبكة *
العمود الفقري لهذه الرواية الذي تم بناء الرواية على اساسه هو فكرتها وحبكتها المتفردة جداً. على الرغم من ان الثيمة الاساسية - الطيران - مستوحاه من قصة ايكاروس في الميثولوچيا الاغريقية لكن كل الذكاء كان في تقديم حبكة لا تشبه غيرها وبما يخدم حدث جلل عاشه المصريين وله من الآثار الممتدة حتى اللحظة.
الناس اصبح لديها القدرة على الطيران حتى لو على نطاق ضيق - الاسكندرية محل الأحداث - وحلقوا عالياً في سابقة فريدة من نوعها.
ما برع فيه الكاتب هو مناقشة هذه الظاهرة النادرة الحدوث وعواقبها من خلال منظور اجتماعي ، سياسي ، علمي ، امني وحتى ديني بما يشكل النظرة الشاملة الخالية من التحيز او الميل لوجهة نظر احادية الجانب.
الاسقاط ؟ حدث ولا حرج. كل موقف ، وصف ، مصطلح ، اسم يحمل من الدلالات الكثير والكثير وكلُ في موضعه بالضبط. شخصياً صفقت له كثيراً على تلك النقطة تحديداً.
* السرد / البناء الدرامي *
انقست الرواية الى اربعة اقسام. أول ايام الطيران ، طيران محدود ، حظر طيران واخيراً القفص.
على صعيد العناوين فالمعنى في بطن الشاعر كما يقولون. اما بالنسبة للبناء الدرامي فقد اتخذ شكل وطبيعة البركان. تبدأ الامور دائماً بارهاصات تتطور الى انفجار مفاجىء للحمم البركانية وصولاً لمعالجة الآثار الناتجة عنها مع احتمالية حدوث انفجارات تابعة هنا او هناك يجب احتوائها ونهايةً بالخمود التام !.
الحقيقة عنصر السرد لا غُبار عليه ولم افقد معه الخط الدرامي للأحداث ابداً.
* اللغة / الحوار *
استخدم الكاتب لغة سردية بسيطة الشكل والتركيب لكنها عميقة جداً في المضمون. هذا هو ما احبذه دائماً في هذا النوع من الروايات. تحدث بلغة المجتمع الذي تخاطبه ولا تحاول فذلكة القضية بمصطلحات او تراكيب لغوية تأخذ شكل مبهرج وذات رنين توحي بالتعالي على القارىء ولا تخرج منها بأي شيء في نهاية الأمر ويجد القارىء نفسه منفصل عن الحدث بسببها.
اما الحوار فكان بالعامية المصرية التي احتوت على الفاظ خارجة / نابية. هذه النقطة تحديداً امر نسبي جداً يختلف من قارىء لأخر. شخصياً لا توجد لدي مشكلة شخصية على الإطلاق ، فبالرغم من سوقية بعض الالفاظ لكن العامية هنا واقعية وحقيقية جداً والفصحى كانت ستكون ضيف ثقيل غير مرحب به.
* الشخصيات *
اذا تحدثنا عن كل شخصية قدمها الكاتب على حده فلن نجد شخصية محددة جاذبة للاهتمام بشكل كبير او ذات علامة فارقة على الاقل بالنسبة لي. كل شخصية تمثل طيف من اطياف المجتمع وقدمت وجهة النظر التي تبرر خلفياتها وثقافتها ووضعها في المجتمع.
اما اذا نظرنا لعنصر الشخصيات ككل ، هنا نجد الصورة اكثر تكاملاً. الشخصيات مجتمعة تقدم شخصية رئيسية هي المجتمع المصري على اختلاف اطيافه ومذاهبه وتوجهاته. هنا تكتمل اللوحة الأدبية وتصير واقعاً ملموساً.
* النهاية *
حملت نهاية الرواية عنوان ( القفص ). نهاية واقعية جداً لأبعد حد صاغها الكاتب في شكل درامي مليء بالفانتازيا التي حملت من الواقعية ما يجعلها ختام منطقي لمجتمع رفض الطيران في مقابل البقاء في قفص صنعه بنفسه على مدار اجيال وعقود ليمنع نفسه من التحليق عالياً وبعيداً عن كل ما يكبله ويجعله أسير دائم للخوف والجهل !.