"إن أبو سماعين يستطيع أن يظل يصنع العراوي في أطراف الموضوعات والعلاقات بين الناس فيحوكها جيداً ويضع لها في المقابل أزراراً مهما طالت قامة الموضوع." - العراوي للفذ خيري شلبي 🇪🇬
من حسن الحظ أن الراحل خيري شلبي كان غزير الإنتاج الأدبي، إذ أن عبقرية بهذه القيمة لا تتكرر كثيراً، فهو متفرد بين أبناء جيله ممن جعلوا من القرية المصرية وعوالمها الشعبية إلهاماً ومسرحاً لأعمالهم.
وكعادته، ينقلنا شلبي إلى مواقع حميمية في القرية، فنجد أنفسنا أمام السامر حول زردة الشاي في جرن قصي، أو في مندرة العمدة نتلقف أخبار الخلق طريفها وعابرها في حضرة كبار البلد، ودائماً ما تضطلع الشخصيات التي تبدو مهمشة في الحياة بأدوار فارقة في تطور الأحداث ومآلها، فهاهو شلبي قد أبدع شخصية أبو سماعين الذي -شأنه كصالح هيصة- يبدو عالماً ببواطن الأمور، مسترشداً بفطرته وسرعة بديهته وسعة علاقاته كي يربط الناس والقضايا وكأنما يصنع العراوي والأزرار كي يقرب ويثبت العلاقات لأمر في نفسه.
يعمد شلبي إلى تشعب القصص وتعدد أبطالها كي يعطي العمل بعداً ملحمياً يليق بزخم العلاقات في القرية وتباين طبائع الناس ومساعيهم، كما يُعنى بتفاصيل المشاهد التي يصورها أدبياً وكأنه يُخرجها سينمائياً، إلى الحد الذي يضفي بعداً إنسانياً على البهائم والسواقي ونخيل الغيطان، فتصير جزءا من نسيج قصصي واحد ونسق سردي لا يغفل عن دقائق الأمور التي تختزن سحرها المكنون.
على الهامش، تحية تقدير للكرمة، حيث أن روايات شلبي الصادرة عن الكرمة ممتازة بحق، وتصميم الأغلفة الذي قام به أحمد عاطف مجاهد مستلهماً موضوعات الوشم الشعبية أكثر من رائع، على عكس الإخراج الفني الردئ لروايات نجيب محفوظ الصادرة عن ديوان.
#Camel_bookreviews