اقتباسات من كتاب فن السفر

أرغمت نفسي على طاعة نوع غريب من أنواع التوجيهات الذهنية. عليّ أن أنظر من حولي كأنني لم أكن في هذا المكان من قبل. وعلى نحو بطيء، راحت «أسفاري» تعطي ثمارها.

ما هي ذهنية السفر هذه؟ لعل من الممكن القول إن الانفتاح والتقبّل أهم خصائصها جميعًا.

الفكرة هي أن المسرّة التي نستمدها من السفر قد تكون أكثر اعتمادًا على الذهنية التي نسافر بها منها على الوجهة التي نرتحل إليها.

«السبب الوحيد لتعاسة الإنسان هو قلّة معرفته كيف يجلس في غرفته هادئًا» باسكال، «التفكير»،

قال روسكين إنه يحقّق اثنتين من غايات الفن: توضيح معنى الألم، وسبر أغوار منابع الجمال.

عادةً ما تجعلنا الأماكن الجذابة أكثر إدراكًا لما لدينا من نواقص في ميدان اللغة.

فمن خلال الرسم يمكن أن نجد تفسيرات لأذواقنا وأن نبدأ تطوير «ذائقة جمالية» أو قدرة على تأكيد أحكامنا في شأن ما نراه جميلًا أو قبيحًا.

ثمة فائدة أخرى قد تأتينا من الرسم، ألا وهي الإدراك الواعي للأسباب الكامنة من خلف انجذابنا إلى مناظر بعينها أو إلى مبانٍ بعينها.

إن الرسم قادر على أن يرينا -بفظاظة- مقدار ما كانت أعيننا عمياء عن مظهر الأشياء الحقيقي

يقول روسكين: «ينبغي أن يكون فنَّك احتفاءً بشيءٍ تحبّه. وقد لا يكون ذلك أكثر من احتفاءٍ بحجرٍ أو بقوقعةٍ بحريةٍ».

نستطيع رؤية الجمال جيدًا بأن نفتح عيوننا فقط، لكن أمد بقاء هذا الجمال في الذاكرة معتمد على استيعابنا إياه استيعابًا مقصودًا.

ليس التصوير بقادر وحده على ضمان التوصل إلى حالة «أكل الجمال» هذه. فالامتلاك الحقيقي لمشهد من المشاهد مسألةُ بذلِ جهدٍ واعٍ من أجل ملاحظة عناصره وفهم بنيتها.

قد تجعل التكنولوجيا الوصول إلى مواضع الجمال أكثر سهولة، لكنها لا تجدي فَتيلًا في تبسيط عملية امتلاك الجمال أو تقديره حق قدره.

أما الإنسان، إن كان إنسانًا حقًّا، فما من شيء يضيره إن هو مضى بطيئًا؛ وهذا لأن مجده ليس في المُضِيّ، بل في أن يكون»

فالأماكن ليست هي الأشياء الجميلة حقًّا، بل ما نفكّر فيه، وما نراه. لا يفيد الرصاصة شيئًا أن تنطلق سريعًا.

إن في العالم دائمًا أكثر مما يستطيع الإنسان رؤيته حتى إن سار بأبطأ سرعة ممكنة. ولا يستطيع أحد أن يرى أفضل إن هو ارتحل بسرعة أكبر

كان مما يحزن روسكين قلّة مَيْل الناس إلى ملاحظة التفاصيل.

إن كانت للرسم قيمة حتى عندما يمارسه من ليست لديه أية موهبة، فهذا -كما رأى روسكين- لأن الرسم قادر على تعليمنا أن نرى: أي أن نلاحظ، لا أن ننظر فحسب!

والاستنتاج الأخير هو أن الوسيلة الأكثر نجاعة للتوصّل إلى هذا الفهم الواعي هي محاولة وصف الأماكن الجميلة من خلال الفن -رسمها أو الكتابة عنها- بصرف النظر تمامًا عن مقدار ما يمتلكه المرء من موهبة تمكّنه من فعل ذلك.

يكون الدافع المهيمن عند رؤية الجَمال رغبةً في التمسّك به وامتلاكه وإكسابه موقعًا مهمًّا في حياة المرء الذي يشعر كأن شيئًا يدفعه إلى القول، «لقد كنت هنا. لقد رأيت هذا فكان له أثر كبير في نفسي».