يحمل الأبناء تجاه أمهم مشاعرَ مختلطةََ بين الحب والواجب، لكن أبناء (بارك سو نيو) غير ذلك ومثلهم كثيرٌ، لقد عاملوا أمهم بالهجر والإهمال حتى تركتهم في يوم عيد الأب مستغلةً زحامًا في نفق المترو.فشلت محاولاتهم في معرفة مكانها ليرجوها أن تعود، وبدأ الندم يأكل قلوبهم لسوء معاملتهم لها. فهل تعود (بارك سو نيو) بعد أن يُدرك الجميع قيمة الأمّ، أمْ تتركهم أبداً فيصير غيابها طبيعيًا.
ربما تعمّدت الأمّ (بارك سو نيو) غيابها، لكنّ المؤكد أنها تركت زوجها وأبناءها الخمس في دوامةٍ من الدهشة والغموض، وأجبرتهم على محاسبة أنفسهم، والنظر في نوع المعاملة التي منحوها لها بعد طول تضحيةٍ منها وتفانٍ.
“عندما غرقت والدتكِ في الأحزان بعد أن غادر أشقاؤك، لم يعد في وسعك أن تفعلي شيئاً سوى أن تقرأي لها رسائل أخوتك بصوتٍ عالٍ وتضعي ردودها في صندوق البريد وأنت في طريقك إلى المدرسة”.
في يوم ميلاد الأب، وهو اليوم التي تجتمع فيه العائلة بعدما ضحّت أمهم “بارك سو نيو” بالاحتفال بيوم ميلادها لتخفيف عبء المصروف على أبنائها، تركت زوجها يعبر وحده رصيف مترو الأنفاق وذابت في الزحام المتلبّد خلفه إلى غير رجعة.
يتقاذف الأبناء تُهمة إهمال أمهم ويكتشفون -متأخرين- حقيقة جهلهم بعام ميلادها وقدرتها على القراءة والكتابة وما تحبّ وتكره وتفاصيل أخرى تمسّ علاقتهم بها، ما أيقظ ضميرهم النائم وبات يخاطبهم بصفته راوٍ للحكاية والأحداث، وهكذا حتى نهاية العمل.
تنقسم الرواية إلى فصولٍ ثلاثة وخاتمة تتحدّث كلها بضمير المخاطب على لسان الأبناء كلّ واحدٍ على حدا، ويتّضح في سياق هذه الفصول حنان الأم غير المشروط حتى على غير أبناءها، إذ كانت تأتي دار الأيتام وتتبرّع بالمال وتساعد في أعمال الخدمة الخاصة بالأطفال بعدما تركها أبناؤها وحيدةً رفقة زوجٍ مستهترٍ بأدنى متطلبات حياتها النفسية والصحيّة.
” في ذلك الوقت من الماضي كنّا دائمي القلق من أن ينفد الطعام منّا. فقد شكّل تأمين الطعام والبقاء على قيد الحياة أهم غايةٍ لنا. أخبرتك أمّك وهي تبتسم أنّهل تعتبر تلك الأيام أسعد أيام حياتها. ولكنّ صداع والدتك سرق الابتسامات من وجهها”.
لاتحتوي الروايات على شخصياتٍ كثيرة أو أحداثٍ معقّدة، بل تقتصر على الأم الضائعة والتي لا يُسمع صوتها الرواي رغم أن الحديث الدائر بمجمله يكون عنها، بالإضافة إلى ابنها وابنتها العاقّين وحفيدتها وأحد الأصدقاء ومسؤولة دار الأيتام. تجتاح نفوس الأبناء شعورٌ جاثمٌ بالندم وعرفوا متأخرين مكانة أمهم ودورها المحوري في حياتهم وكم أهملوها وقدّموا بين يديها الإهمال والمهانة عِوَضَ العزّة والكرامة، لكنه ندمٌ لاينفع وجرحٌ عميقٌ لايندمل.
“بعد أن اختفت أمّنا، أدركت أنّ هناك تفسيراً لكل شيء. لقد كان في وسعي أن أفعل كل ما أرادتني أن أفعله. إنها أمورٌ غير مهمة، ولكنني الآن لا أدري لماذا تعمّدت إزعاجها. لن أسافر بالطائرة إلى أي مكانٍ بعد الآن”.
لا تكترث الكاتبة “كيونغ سوك شين” كثيراً بمسألة لقاء الأبناء بأمهم وعودتها إلى البيت، بل تترك فضاء الرواية مفتوحاً لاحتمالاتٍ يضعها القارئ، ويكفي أنها حرّكت مشاعر الأبناء وجنايتهم على الأهل بالهمل في خريف أعمارهم، وهي جنايةٌ إن حصلت يعسر حلها وتتعذّر بعدها على الأبناء أسباب السعادة والهناء.