حكت لنا الدكتورة سوسن قصة زيزفون منذ ولادتها في خمسينيات القرن الماضي في احدى القرى العلوية المتاخمة لمدينة جبلة والقريبة من السواحل السورية حتى سنة ٢٠١٩. حكاية تعانق فيها الشجن الخاص بالشجن العام، حزن زيزفون التي افنت حياتها في خدمة والدها الذي اقعده حادث لمدة خمسين عاما فلم تتزوج وحزن سوريا التي مزقتها حرب عبثية تآمر فيها العالم كله عليها. زيزفون الثائرة التي تمردت منذ صباها اولا على اسمها في الهوية "جهيدة" ثم على قواعد الطائفة واحرقت مزار ابو طاقة التي وجدت في الانصياع لتبعيته وتبعية مشايخ الطائفة هدرا لكرامتها التي اهدرها اهل الضيعة بعد ان شككوا بعذريتها وربطوها بعلاقة باستاذ المدرسة الشامي الذي ينتمي لطائفة أخرى، ثم بوقوفها في خريف حياتها مع الثورة منذ بدايتها رغم اتهام المقربين لها وابناء طائفتها بالخيانة لأن العصب الطائفي كان يفرض عليها ان تكون مع النظام حتى لو هو من اوصل البلد الى نقطة اللا عودة. زيزفون التي اقتربت من الموت وعادت قررت ان تكتب مذكراتها او المفاصل الاساسية في حياتها وتدونها في دفتر، خاصة بعد وفاة صديقها المقرب سعيد الذي لم تكتشف مدى حبها له وتعلقها به الا بعد وفاته، وهو الذي ساهم بتشكيل وعيها السياسي واتجاهها الوطني رغم عزلته وتنسكه بعيدا عن كل الناس.
في قصة زيزفون الكثير من القضايا الشائكة والتي عايشناها بحكم قربنا من سوريا مثل الفساد والمحسوبيات وسطوة النظام وهيمنته حتى على تفكير الشعب السوري، اذكر منها قصة وفاة اختها عواطف التي انتحرت من سطح مبنى كلية التمريض وهي في الخامسة عشر من عمرها دفاعا عن شرفها الذي حاول مدير المعهد المدعوم اغتصابه، والاعتقالات العشوائية التي كانت ترمي الشباب في غياهب السجون لمجرد شك او وشاية كيدية وتطرقها لقضية وفاة القائد والحزن الهستيري الذي اصاب الناس ليليه بعد ايام فرح هستيري لتولي ابنه الحكم. كما تطرقت الى موضوع شائك ما زالت تعاني منه النساء في المجتمعات المتخلفة حيث تحرم الانثى من الارث كما حصل مع زيزفون التي استولى اخويها على ارث ابوها الذي خدمته خمسين عاما. شدتني الرواية لآخرها رغم التكرار في بعض المواضع، ورغم اختلاط السرد مع الحوار، والعامية السورية مع الفصحى ولم استطيع ان اكبح دموعي مع نهايتها وانا أتأمل مع زيزفون بيتها الصغير يحترق.
رواية رائعة ومكتوبة بشجن كبير يلامس شغاف القلب وتؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ الثورة السورية وتأثيرها على السوريين المحسوبين على النظام والذين لم يغادروا قراهم واولئك الذين تشتتوا في كل العالم.