لا يهمّني أريد أن أحكي الحكايات لنفسي فأبدّد وحشتي في هذه الأوقات المربكة والعصيبة، وأطلّ على حياتي الماضية كنوع من السلوى بعد أن فقدت السلوى ومات معها كل شيء جميل، فلا الزمن بقي زمنًا، ولا البلاد بقيت كالبلاد..
اسمي زيزفون
نبذة عن الرواية
“احترق البيت، لم يبقَ غير جدران سوداء تفتح عيونَها على الفراغ، صار مثلَ جمجمة مُجوَّفة يملأها التراب وبيوض الديدان. واحترق دفتري، راح عُمري وذاكرتي، صرتُ كأنني لم أكن ولا مررتُ بهذه الحياة، كل ما أرجوه أن يتذكر كل من يقرأ روايتي حكاية زيزفون التي مرّت من هنا ومن هناك، زيزفون التي ناضلت أكثر من خمسين عامًا، منذ أن شغلها السؤال عن الرجعيّة، التي جاهدت من أجل أن تطمر جهيدة في تراب النسيان كي تكون ذاتها، زيزفون الاسم الذي أحبّتْه وشعرتْ أنه جدير بتمثيلها في الحياة، وبأن يكون رفيقها في سفرها الذي لم يغادر أحلامها، وراحت تدوّن تاريخها قبل أن يُنسى. احترق التاريخ وزحفت آلةٌ جبَّارةٌ على جدرانه السوداء لتهدمه وتغرز في الأرض وتدًا من الحديد يحمل لافتةً كُتِب عليها: المقصّ- مشروع دكان أُمّ جهيدة للبناء”. نص مُذهل، عميق، ملحمي. بين تعبٍ وراحة، جمالٍ وقبح، وكآبةٍ ولحظات فرحٍ مسروقة، روت زيزفون وبجرأة شديدة ما حدث لسوريا وما يحدث وما سيحدث، تاريخها لم يكن تاريخها وحدها أو تاريخ أسرتها وضَيْعتها، لكن تاريخ البلاد كلها. د. أمير تاج السرعن الطبعة
- نشر سنة 2022
- 296 صفحة
- [ردمك 13] 978-977-6765-45-0
- منشورات الربيع
تحميل وقراءة الرواية على تطبيق أبجد
أبلغوني عند توفرهاقتباسات من رواية اسمي زيزفون
مشاركة من نهى عاصم
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
Ghada Moussa
حكت لنا الدكتورة سوسن قصة زيزفون منذ ولادتها في خمسينيات القرن الماضي في احدى القرى العلوية المتاخمة لمدينة جبلة والقريبة من السواحل السورية حتى سنة ٢٠١٩. حكاية تعانق فيها الشجن الخاص بالشجن العام، حزن زيزفون التي افنت حياتها في خدمة والدها الذي اقعده حادث لمدة خمسين عاما فلم تتزوج وحزن سوريا التي مزقتها حرب عبثية تآمر فيها العالم كله عليها. زيزفون الثائرة التي تمردت منذ صباها اولا على اسمها في الهوية "جهيدة" ثم على قواعد الطائفة واحرقت مزار ابو طاقة التي وجدت في الانصياع لتبعيته وتبعية مشايخ الطائفة هدرا لكرامتها التي اهدرها اهل الضيعة بعد ان شككوا بعذريتها وربطوها بعلاقة باستاذ المدرسة الشامي الذي ينتمي لطائفة أخرى، ثم بوقوفها في خريف حياتها مع الثورة منذ بدايتها رغم اتهام المقربين لها وابناء طائفتها بالخيانة لأن العصب الطائفي كان يفرض عليها ان تكون مع النظام حتى لو هو من اوصل البلد الى نقطة اللا عودة. زيزفون التي اقتربت من الموت وعادت قررت ان تكتب مذكراتها او المفاصل الاساسية في حياتها وتدونها في دفتر، خاصة بعد وفاة صديقها المقرب سعيد الذي لم تكتشف مدى حبها له وتعلقها به الا بعد وفاته، وهو الذي ساهم بتشكيل وعيها السياسي واتجاهها الوطني رغم عزلته وتنسكه بعيدا عن كل الناس.
في قصة زيزفون الكثير من القضايا الشائكة والتي عايشناها بحكم قربنا من سوريا مثل الفساد والمحسوبيات وسطوة النظام وهيمنته حتى على تفكير الشعب السوري، اذكر منها قصة وفاة اختها عواطف التي انتحرت من سطح مبنى كلية التمريض وهي في الخامسة عشر من عمرها دفاعا عن شرفها الذي حاول مدير المعهد المدعوم اغتصابه، والاعتقالات العشوائية التي كانت ترمي الشباب في غياهب السجون لمجرد شك او وشاية كيدية وتطرقها لقضية وفاة القائد والحزن الهستيري الذي اصاب الناس ليليه بعد ايام فرح هستيري لتولي ابنه الحكم. كما تطرقت الى موضوع شائك ما زالت تعاني منه النساء في المجتمعات المتخلفة حيث تحرم الانثى من الارث كما حصل مع زيزفون التي استولى اخويها على ارث ابوها الذي خدمته خمسين عاما. شدتني الرواية لآخرها رغم التكرار في بعض المواضع، ورغم اختلاط السرد مع الحوار، والعامية السورية مع الفصحى ولم استطيع ان اكبح دموعي مع نهايتها وانا أتأمل مع زيزفون بيتها الصغير يحترق.
رواية رائعة ومكتوبة بشجن كبير يلامس شغاف القلب وتؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ الثورة السورية وتأثيرها على السوريين المحسوبين على النظام والذين لم يغادروا قراهم واولئك الذين تشتتوا في كل العالم.
-
نهى عاصم
اسمي زيزفون
ل سوسن حسن
غلاف غني بالألوان وبه وجه فتاة -معتم بصورة ما- باللون الأخضر، وجزء من جسدها ويداها تحمل باقة من الزهر معتمة هي الأخرى فتضفي على القارىء فضول قوي..
تعود جهيدة أو زيزفون-فهي لا تحب أن نناديها باسم جهيدة- من الغيبوبة للساعات وتستيقظ في بيت أخوها .. استيقظت وهي من كانت تتسائل دومًا:
"❞ وماذا بعد؟ هذا السؤال كان مثل ملل وشعور بأن حياة خاوية وخالية من أي مُتعة ليست جديرة بأن تُعاش. ❝
زيزفون تخطت عتبة الستين، تراعي والدها العجوز مع منير رجل البرية الذي كان يتفقد والدها عشرات المرات لأنه لا يتحمل المكوث في دار ما لمدة طويلة..
قررت زيزفون كتابة مذكراتها فهي تعيش في عدم ولا تهتم الآن سوى بتسجيل لحظات حياتها:
❞ قدحت الشرارة في بالي وعزمتُ على الكتابة، لا لشيء، وإنما للإمساك بالذاكرة قبل أن تذوي وتغور كما الماء في رمال العمر، ولأبحث عن سؤالي المؤجّل ربّما ألاقي جوابًا متأخّرًا له. المهم أن أكتب ❝
❞ قرّرت أن أذهب أنا إلى الماضي بدلًا من دعوته إليّ، سأسجّل حكاياتي، وبعد أن أنتهي منها سأحرق دفاتري وأذرو رمادها❝
❞ ولتذهب الحرب إلى الجحيم هي الأخرى، إنها حكايتي، حتى لو لم يبق زمن إلّا للحكايات الكبرى. ❝
ثورية هي زيزفون ترفض الخزعبلات والأفكار البالية التي يقتنع بها أهل بلدتها وها هي تشعل مراز أبو طاقة خلسة، ولا تبالي أو تخاف لعنته وانتقام حارساته من الجنيات كما يدعون..
تجيد الأديبة كتابة التفاصيل الصغيرة فها هي تستفيض بشرح عن حبقات أم زيزفون قائلة:
❞ الآن بعد أن داعبني الموت انتعشت في خاطري مثل حبقات أمي التي كانت ترشرشها بكفّيها بعد أن تسقيها فتغرف بخفة حفنة من السطل وتنفض يدها فوق الحبقة وتداعبها فتفوح الرائحة لتختلط مع رائحة العبيتران والقرنفل والفلّ البلدي، ثم ترشرش الماء فوق الأرضية المتربة تحت العريشة وأمام البيت أو الدكان ❝
لغة الأديبة العربية سهلة وشاعرية تهيم في روح القارىء بجمل جميلة مثل:
❞ لكن الحياة مشت، أو أنا سرت في أدغالها، أو إن عمري تراكم في ظلال الوعود. ❝
❞ لازمني شعور دبق راح يلعب بوجداني ويحرق أحلامي ويزيدني توترًا أمام الأسئلة الكثيرة التي راحت تتناسل من بعضها بعضًا من دون إجابات. ❝
❞ لكن السفر كان ما زال يختبئ كحلم جميل في داخلي تبرعم على صوت الراديو هنا دمشق، هنا لندن، هنا القاهرة، وعلى حكايات المسافرين الذين يعبرون الدكان ويتركون خلفهم بعض الغوايات الصغيرة وأنا أرتّبها في خزائني السرّية. ❝
كما أنها تتسم بخفة الظل وصدق أحدهم حينما قال: خفة الدم أنثى ..
فها هي زيزفون تحدث نفسها عن الأسرار التي خبأها الناس حتى عن الجآن فتقول:
❞ أنا تلك الجنية، نعم، أنا زيزفون يا ولاد الخايبة. ❝
وما أقسى ويلات الحروب خاصة حينما يتحدث عنها من عاشها في بلاده، تصفها الأديبة بكل عنفوان قلب يأسى ويحزن على حال موطنها سوريا، وتصف لنا مشاعر الناس بدقة ما بين مذبوح وبين لا مبال وغيرهما:
❞ صار الناس متخندقين في الماضي، ومع كل مجزرة جديدة تزداد اللهفة إليه والعيش فيه، الماضي هو الملاذ الآمن يا زيزفون، هو البقعة الوحيدة الواضحة بالنسبة إلى عقول الناس وقلوبهم المتعبة، ❝
❞هذه البلاد ليست لنا، إنها لمن يمجّدون الحرب وأنا لا أطيقها❝
❞بلى كنا الأسياد، إنما على عروش من الجماجم❝
❞ التحديث أبدًا ما بيعني أنو دخلنا بالحداثة، نحن غرقنا بالمنتجات العصرية والحديثة بس بقيت عقولنا متكلّسة وما طلعنا من الماضي ❝
ما بال كل دولنا العربية تعامل الأراض الزراعية هذه المعاملة المجحفة فها هي الأديبة تحكي مآس مشابهة لمآسينا قائلة:
❞ المعامل التي أنشئت في السهل على مشارف جبلة وقريبًا من الضيعة والتهمت أراضي زراعية شاسعة قبل أن تجثم كالوحوش في ذلك الفضاء ❝
تقوم الدكتورة سوسن بشق صدر المجتمع السوري في الريف- على مستوى عدة عقود- وتشريحه وتصف لنا بقلمها هذا المجتمع بمميزاته وعيوبه الاجتماعية والعقائدية والعسكرية والمواريث المجحفة ومظاهر الحداثة والانترنت، وغيرهم، فها هي سكينة عايبة لأنها أرملة أحبت وأرادت أن تتزوج برجل يكون لها ولأولادها سترًا، فوسمت بلقب العايبة وحرمت من التواجد في مجتمعاتهم حتى وإن أرسلوا لها الصدقات والطعام..
وما أبشع التجربة التي مرت بها زيزفون كل تنفي عن نفسها كلمة عايبة وهي في الخامسة عشر من عمرها..
الزمن لدى اسمي زيزفون يتأرجح بين الحاضر والماضي حيث الذكريات ..
والمكان هو قرية صغيرة سورية تتأرجح هي الأخرى بين القرى والمدن ..
والأديبة تراوغنا مرة بحديث مباشر ومرة من الدفتر كما تقول ، أي دفتر زيزفون..
وفي النهاية وظفت الكاتبة الكورونا مع أحلام زيزفون بالسفر بصورة ممتازة.. كما جاءت نهاية الرواية -وخاصة السطور الأخيرة-رائعة تثبت لنا جميعًا بكل أسى أن يد البطش أصبحت عالية..
كنت أتمنى ان تضع الكاتبة هوامش لكلمات مثل: السليقة، الدست وغيرهما إذ أنها غير مفهومة لدى القارىء الغير سوري بل لربما السوري الذي يعيش في المدينة..
شكرًا للأديبة على هذه الرواية الدسمة التي علمتنا خفايا سوريا الحبيبة ..
مع تمنياتي لك بمزيد من التألق ..
#نو_ها