بَابْر
ما روي عن ابن أيوب
ج٣ من حكايا المنسيين
ل إبراهيم أحمد عيسى
غلاف به لونان أحمر وإحدى درجات البني كما لو كان أرض وبحر من الدماء..
بجزء الأرض فيل يعتليه رجل يمسك سلاحًا ويحاربان ببرًا..
بالغلاف من الخلف روح الحكاية:
ناجٍ وحيد من معركة يبكي فيزداد ماء البحر، أخبره أبي أيوب أن للبحر روح فتساءل: هل يبكي البحر مثلنا؟!
رياح الحياة تتقاذف البطل بين سيوف المماليك وسفن البرتغاليين الغازية أرض الحجاز والهند.. إنها حكايته وحكاية سلطان وبحار وبابر..
فمن هما السلطان والبحار ومن هو بابر؟!
يهدي الكاتب العمل ثم يضع لنا بيتان من شعر محمد إقبال عن الشطآن والبحار ويدخل إلى الجزء الأول من الرواية حيث ساحل ديو بالمحيط الهندي بعيدًا عن الأندلس حيث دارت الأجزاء الأولى والثانية من ثلاثية حكايا المنسيين..
ومثل الأندلس يطالب الراهب الأب دييجو في الهند:
"نحن بحاجة لأن نقيم ديوان تفتيش هنا، ونفرض مراسم صارمة تجرم….."
ما أشبه اليوم بالبارحة ..
ناج وحيد من الغرق يترك نفسه للأمواج في ظلمة الليل يسائل نفسه: هل أنا حي أم ميت في برزخه ..ولكنه يدرك أنه حي ذهب مغاضبًا والديه وها هو يتجرع ويلاته..
يعود يونس ابن أيوب بذاكرته إلى مصر وسكنه وأسرته قرب دار صناعة السفن وفخره بذلك مع أقرانه.. يذهب هو وأخوه صالح لرؤية سفن الأسطول المملوكي العائد من الهند واعدين والدهما بالعودة مبكرًا لأنجاز الأعمال الخاصة بنجارة السفن..
ينتقل الكاتب بنا بخفة ومهارة من حاضر يونس إلى ماضيه: وسط جزيرة وحيدًا بعدما دفن من ألقت الأمواج بجثثهم، يناجي أيوب والده سائلًا إياه المغفرة بعدما سرقه وفر ليحارب البرتغاليين على سفينة المحروسة دفاعًا عن الحرمين الشريفين رغم أنه نجار لا يعرف للجندية سبيل.. مضى مخلفًا كل شيء وراءه وكلمات توأمه سليمان تدوي:
"أخشى أن يكون البحر قبرك يا أخي، وأخشى ألا يسامحك أيوب"..
ومن يونس ننتقل إلى ماتيلدا في ساحل الهند الغربي حيث المستعمرة البرتغالية التي جاءت إليها كعروس ولكن خطيبها قتل فظلت إلى جوار والده الدون دي ألميدا حاكم الهند، وقاتله الدون ألبوكيرك الذي يجزم لها أنه لم يتسبب في مقتل خطيبها الأرعن وأنه فارس قضى على الكفرة المسلمين ورفع رأس البرتغال عاليًا ووعد ماتيلدا رغم كبر سنه بهدم الكعبة وأخذ جسد نبيهم المزيف رهينة لاستعادة قبر المسيح ومدينة الرب قائلًا:
"سأحفر اسمي في جدار المجد الأبدي، فحكايتي لم تتنه بعد"..
وكان الأصعب من كل هذا:
"والتقى الجمعان، أوقف إبراهيم لودهي جيشه قبالة بابر ورجاله، سكون جرى مع الريح الخافت يلعب بالرايات، يتشابهان في الأحرف والكلمات والآيات.. وإن اختلفت الألوان، مسلمون سواء أكانوا من الأفغان أم من الهنود ومن الأتراك والمغول، تجمعهم حرب"،
نخرج من ماتيلدا ومن حولها للقاء أمير البحار حسين الكردي قائد سفينة المنصورة المحطمة والمكبل إلى جوار يونس وغيره.. يتذكر الأمير كيف وجد يونس مختبئًا بسفينته وكيف صار ذراعه الأيمن حتى أنه قتل الشاب لورنسو دي ألميدا.. وهل سيخرج حسين رجاله من الأسر كما وعدهم:
"سنتكاتف معًا ونخرج جميعًا من هنا، أعدكم".
من شخصية إلى أخرى ينقلنا الكاتب برشاقة قلمه وبأسلوب سلس ..
لغة الكاتب سلسة تتخللها الجمل الشاعرية التي تصف مطرًا أو غابة بحيواناتها..
أو من يعمل في البحر فيقول:
"يقرلون إن من يعيش في البحر لا يطيق هجرانه، هواء إبحاره يتغلغل في النفس، وطعم ملوحته يسري مسرى الدم في الجسد، تألف الروح زرقاه المقتبسة من سماء يزورها غيم عابر، يأتي ويرحل دون أن يلامس سطحه،وتغرق شمس كل نهار في غياهب زرقته الداكنة لتطفو في الصباح التالي ماحية أثر سواد الليل البهيم".
كما يصف الكاتب الأماكن فنشعر أثناء القراءة أننا بداخل قصر سلطان بيجابور عادل شاه بعدما احتله قادة البرتغال..
يظل ابن أيوب في الهند بعد فرصة ضاعت في العودة إلى مصر ويعيش خادمًا لماتيلدا- التي رفضت العودة إلى البرتغال- رغم إيمانه بأنهم أعداء فتصارحه أنهما بقيا حتى لا يعودا مهزومين .. فيصرح لها أنه يعجب مما فعلوه بوحشية بالمسلمين في الهند في حين أنهم عاملوا الهندوس بطريقة آدمية مختلفة..
يتناص الأديب مع القرآن الكريم في عدة مواصع فنجد مثلًا أمير البحار حسين الكردي يقول في أسره ما قاله لوط عليه السلام:
"لو أن لي بكم قوة".
وفي النهاية هل سيعود يونس ابن أيوب إلى مصر منتصرًا أم سيبقى ويتناسى أمر دينه وعروبته ؟!
شكرًا للأديب على هذه الثلاثية التي لا أدري إن كان هناك المزيد منها قادم.. فأوطاننا حمالة بالحكايات ..
#نو_ها