بواقع الأمر لا أعرف كيف أبدأ، أشعر بمسؤولية غامرة مع كل حرف أكتب لأصف رأيي بتلك الرحلة التي أنهيتها توا بين دفتي (قصاصات بخط الجدار) وأشعر حقا كما لو كنت مسافرا حط رحاله توا.
بالعادة أقسم المراجعة على هيئة نقاط رتيبه عن القصة واللغة وغيرها، إلا أنه ينتابني شعور غامر بالجلوس إلى أحدهم -أنت في حالتنا هذه يا من تقرأ كلماتي- لأفضي له عما اكتنفه صدري بذلك الطريق الطويل من حزن وكره وحب وفرح وبغض وحقد وغيرها من الأوتار التي داعبتها الكاتبة Sama Hany بقلمها الذي رزقه الله لسانا فسافرت كلماتها لتخترق حاجز المكان والزمان وتنتقل بك لأرض غير الأرض وأناس غير الناس.
نبذة عن القصة قبل أن أعود لثرثتي المملة:
(يقين) فتاة بأواخر عقدها الثاني تستيقظ ليلا إثر رؤيا أو يمكننا القول همسات، من أين أتت؟ بالفعل من جدران غرفتها، فاحت لها بخبر هز كيانها، السيدة نرجس المقربة منها جدا حد الأمومة ستتعرض للقتل، لتصعد بفزع إلى شقة السيدة نرجس فلا تجد جثتها ولا يراع اهتمامها إلا الحائط الذي خط عليه بدماء قانية "يقين، سامحيني إن استطعت"
يصعد زوج يقين ضابط الشرطة (خالد) إلى مسرح الأحداث ويبدأ بفك لغز قضيته الجديده
فأين ذهبت جثة نرجس، وما خطب الندوب والكدمات الدائمة على جسد يقين، وكيف انفطر فؤادها الف مرة والأهم من ذلك ما سر الجدار المتلكم الذي يدفعها حد الجنون ويخبرها بخبايا ربما لا يجب أن تعلم عنها شيئا.
ثرثرة:
لوهلة أردت تقمص دور(أنطون إيغو) -ناقد الطعام الشهير من فيلم راتاتولي- وأقبض بقلمي لأخط به ما يصف هذه الرواية إلا أني أعجز دوما عن ايجاد التعبير، تعجبت جدا أن هذا عمل الكاتبة المنفرد الأول للكاتبة فقد بدت كل جملة غير التي خطتها مبتورة، كل حرف عدا الذي قرأته الآن يحبوا إذا ما قورن بها، فحروفها تنطلق بحرية بسماء الخيال لترسم لوحة خلابة خطت بالفرح وتلونت بالحزن وكسى ملامحها وعر الزمن
رحلة تمنيت قطعا الا تنتهي، ككأس محرمة لانشرب منها حتى نرتوي وإنما حد الثمالة.
فمهما صاغت كلماتي ومهما تمنكت جملي من وصف تلك الروعة الآخاذة فوالله إنها لظالمة، فلو وضعت علامة بكل موضع بالرواية أعجبني أو حفر بذهني أو مس فؤادي فلربما لن يبقى بالكتاب موضع سليم!
تبحر بأعماق النفس البشرية لأجدني وأجدك، صدقني لو قلت أن كل البشر هناك، الكاذب والخائن والصادق والأمين والمتربص والقاسي.
بشخصياتها الفريدة راحت تداعب وتر الحزن تارة والغضب تارة أخرى، لأجد نفسي أنساق خلف تلك الشخصيات أكرهها أحيانا وأتعاطف معها أحايين أخرى.
أقف ذاهلا في حيرة من أمري، كيف استطاعت الكاتبة ببراعة أن تدفعني لكره تلك الشخصية مرارا حتى قتلته بذهني ألف ألف مرة، وكيف تفاطفت معه ولو قليلا على غضبي منه، كيف طارت الصفحات وانتهت الرحلة دون أن ألحظ!
رواية هي (رواية العام) بكل تأكيد ولا أرى لها مكانا سوى منصات التتويج بالمحافل وأعلى قمم المجد، فبذهني لا تزال تلك الأحداث تعترك وتدور، لا أعلم حقا مالذي ينبغي علي فعله لكني متأكد أني أرغب بإنهاء كتابة هذه الأحرف سريعا لأطالع من جديد تلك القصاصات التي أخذتني وسرقت انتباهي بأحداثها الصادمة ومواضيعها الشائكة التي يخشى الكثيرون الخوض فيها.
عبارات وتشبيهات تدق طبول السجع مرارا لتطرب الآذان وتعزف لحن الجناس ببراعة فلا تملك من أمرك إلا الوقوف ورفع القبعة والاستمتاع بتلك المقطوعة الخلابة ما بين شد وجذب بين دواخل تلك الشخصيات التي أمسيت أراهم وأحداثهم بنفسي، أرى في نفسي (يونس) وأتوجع لأجله وكم هو اسم على مسمى وكم نال من الصبر قسطا أراح كهله ولو لم يكن لديه لهلك، كيف أرى (يقين) وهي التي أبعد من يكون عن اليقين، كيف أرى خالد ونرجس وعابد وماجدة وأخيرا كيف أرى الجدار الذي راعني حقا أنني أحسست به ولم أتعجب أبدا من حديثه الذي كان صادقا شاعريا يرمى بسهمامه ليصيب مواطن ضعف لا يعلمها إلا هو وكنا نظنها خفية إذ أنه رفيقنا بوقتٍ لا رفيق لنا فيه
كم بدت الكلمات فقيرة كلما أردت وصف هذا الطريق وأعرف أنك سأمت من ثرثرتي لكني أود بالنهاية أن أقول لك أمرا واحدا، ليس كل جماد يقف ساكنا لا يشعر، بل هم حقا يحسون بنا ويتألمون لألمنا ويحزنون لفراقنا.
أخيرا لا يسعني سوى القول(هي طريق طويلة عدوت به متمنيا ألا ينتهي فلم أجد إلا نهايته قد دنت وكنت أظنها أوو أتمنى أن تكون أبعد من ذلك)