كتاب "الأيك في المباهج والأحزان" لأحد كُتابي المُفضلين "عزت القمحاوي" هو بمثابة دعوة إلى تقدير الحياة بشكل أكبر، النظر بشكل مُكثف حولنا، واستخراج المعاني من الأشياء التي فقدت معناها بسبب تطور العصر الذي أصبحنا فيه، إعادة اكتشاف هذه الأشياء كالطفل الذي يتلمس وجودها لأول مرة، إعادة لمعة الانبهار بالأعين، وجمال العثور على معنى جديد، بعيون فرحة مليئة بالمباهج، والأحزان المرتبطة بأننا فقدنا هذا التواصل بكل ما حولنا، وتحولنا إلى آلات صماء، لا تُقدر كل ما حولنا.
الأيك هو الشجر الكثير المُتلف، كمواضيع فصول الكتاب، كثيرة ومُلتفة، تتنوع من نظرة مُغايرة للاصابع، الشُرفات، المُدن، القرى، الروائح، الأطعمة، الأدب، الحب، الجنس، المرأة، السياسة والساسة، والتاريخ، والحياة، هذا كاتب يُجيد صنعته، يكتب بروقان، ومتعة، وشغف، فتخرج الفصول مُبتهجة وفرحة، تخيل أنه وكل ما ذكرته، لم أذكر بعد المجهود المبذول في عملية ما قبل كتابة هذا الكتاب، فأنا متيقن أنها لم تكن سهلة، فهي تشمل ساعات طويلة من تأمل الأشياء العادية والكتابة عنها بشكل غير عادي، تأمل التاريخ وربطه بذكاء مع مواضيع الفصول، تأمل الأدب والأدباء والكتب والروايات المُختلفة، هذا الكاتب يحكي بذاكرة قرائية مُثيرة للدهشة والإعجاب، هذا الكاتب يُجيد صنعته ببراعة.
المُميز في تأملات "عزت القمحاوي" هو أنك تقرأ عن مواضيع عادية، ولكن بعدما يسردها لك القمحاوي، تكاد تجن لأنها لن تصبح بهذه العادية مرة أخرى، وأن التفاصيل المذكورة أصبحت ملموسة، وكيف غابت عن ذهنك، هل يرى الكاتب الأشياء بطريقة لا نعرفها؟ هل لديه عين سحرية تجعله يرى الأشياء على حقيقتها؟
ختاماً..
هذا كتاب جميل ودافئ، سيجعلك تُعيد اكتشاف الأشياء، ويُذكرك بأهمية الكتابة، التي تجعلنا نتأمل وننظر للأشياء، ونتعجب، وننتقد، سياسياً واجتماعياً، ونتكلم عن الحب بشكل مُتحفظ أحياناً وغاوي ولعوب أحياناً، أن ننظر لكل ما حولنا بتقدير أكبر، وشغف أكبر، رُبما يجعلنا ذلك، نجد معنى لحياة كلاً منا.