"المُشكلة ليست في الدواء، المشكلة هي نحن كمصريين. طوال تاريخنا ونحن نُكرر الأخطاء نفسها دون هوادة، لا نستفيد من أي تجربة، لا نُدير ظهورنا لتجارب الآخرين فقط ولكن لتجاربنا نحنُ أيضاً."
تجربتي الأولى مع واحد من أهم الكُتاب المُعاصرين "محمد المنسي قنديل" ورغم أن الرواية صغيرة الحجم بالنسبة لباقي أعماله الأهم والأكبر؛ ولكنها آخذت مني وقتاً طويلاً في إنهائها بسبب إنشغالات هامة إلى درجة التوقف عن القراءة. وعلى الرغم من ذلك، لم أنسى الأحداث أبداً، ولا الشخصيات، ولا مُعاناتهم الشخصية، وقرارتهم المصيرية وأفكارهم التي تؤرقهم.
تبدأ أحداث الرواية؛ مع الطبيب الشاب علي، بعدما خرج من السجن بسبب آرائه السياسية، والغريب في هذه الجملة ليس أنه دخل السجن بسبب آراء! الغريب أنه خرج من الأساس؟ مُنذ متى يُفرجون عن أصحاب الآراء السياسية؟ عجيب أليس كذلك؟ ولكنها فترة نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، مع تسليم الحكم لرئيس جديد، سأعفو عن بعض المُتهمين السياسيين لكي أثبت أني أؤسس دولة عدل، رُبما أسجن من أخرجتهم مرة أخرى، ولكن البدايات تعلق بالأذهان، وبعيداً عن البُعد السياسي للرواية.. فهُناك بُعد اجتماعي رومانسي بشكلاً ما، يتفتح عندما يُعين الطبيب في أحدى الوحدات الصحية والوحيدة، بأرياف قرية ما.. لنقترب وبشدة من هذا العالم الذي يسوده أفكار مُعقدة، شديدة الحساسية، رُبما بها لمحات من الرجعية، أو رجعية تماماً، فيكون التحدي بالنسبة للطبيب ليس فقط أن يتعافى من آذى سجنه، ولكن أن يتعامل أيضاً مع هذا المُجتمع الجديد كُلياً عليه بفكره المُختلف عنهم تماماً.
"الموت في بلدتنا سهل، نحنُ نموت لأسباب تافهة.. لذا فإنقاذ روح من الموت عندنا هو فعلاً مُعجزة حقيقية."
رُبما هذا الإقتباس يُعبر عن حقيقة امتعاضي مما قرأت عن وفيات بسبب الإهمال، الإنجاز في بلدنا أننا نعيش رغم كُل الإهمال، نعيش ونقاوم من أجل ماذا؟ لا أعلم صدقني، ولكننا نعيش ونقاوم من أجل الفُتات إذا نلناه حتى! هؤلاء القوم يُعانون ويموتون ولا حياة لمن تُنادي، وليس فقط على الجانب الصحي، ولكن الجانب الفكري؟ رباااه لو أكملت الحديث في هذا الشأن لن أنتهي اليوم أبداً. فدعنا نتركه ونضع دبوساً عليه، ربما تأتي الفُرصة ورُبما لا.
"أحدق فيها مبهوراً، هذا كثير، كُل هذا القدر من الجمال والوداعة، وكيف قُدر لي هذه الدرجة من القرب والملامسة؟ لا بُد أنها شعرت بذلك أيضاً، من يُصدق أن هذا هو فقط اللقاء الأول؟"
تنشأ علاقة إعجاب من النوع المُحرم المُعقد بين الطبيب وممرضته "فرح"، وبدون حرق للأحداث هذه واحدة من أعقد العلاقات التي قرأت عنها، تملك قدراً من الأحاسيس المُتضاربة والمشاعر، فكرة الشخص الصحيح في الوقت الخطأ متجلية واضحة كالشمس، الطبيب وفرح، ظلمتهم الحياة ظلماً فادحاً، فحاولوا أن ينهلوا منها ما يُمكنهم أن يشعروا أن الحياة حقاً تستحق، تستحق أن تُعاش.
وعند جزء مُعين من الرواية، بالأخص ظهور الغجر، أصبحت الرواية تتجه لأهداف أخرى غير التي بدأت عليها! ظهور الغجر مرة أو أثنين كان مقبولاً، ولكن أن يرتبط إرتباطاً مصيرياً بالنهاية ليصبح كالعصا السحرية يحل كل الحلول ويُغلق كُل ما كُنا نُجاهد لأن نجد له حلاً منطقياً؟ ذلك كان الاستسهال من وجهة نظري، تشتت واضح وتخبط حتى في قرارت الشخصيات. وذلك وجدته غريباً ولافتاً للنظر بشكل فادح.
ختاماً.. وإجمالاً..
رواية مُمتعة بسرد جميل ومُميز بصراحة، نجحت في جذب اهتمامي حتى النهاية رغم خيبة الأمل المُرتسمة على وجهي بعد الإنتهاء منها، ولكنها رواية سأظل أتذكرها طوال حياتي؛ صاحبتني في فترة مُهمة، ولذلك رغم كُل شيء سأظل أنظر إلى غُلاف الكتاب بإمتنان حقيقي.
يُنصح بها.