"فمُشاهدة البشر مُتعة مضمونة. لا شيء مما يفعلونه له معنى."
رواية "حزن نمر الثلوج الهائل" للكاتب البرازيلي "جوكا رينيرس تيرون" قادرة على إرباكك وإمتاعك بنفس القدر طوال أحداثها السريالية، المُقبضة، السودواية، التي تحمل في طياتها العديد من الأفكار والمشاهد، التي لن تذهب من ذاكرتك بسهولة، هي رواية على قدر عالٍ من الغموض الذي ينكشف ببطأ شديد، لينقشع ضبابه بعد النهاية، ولكنه سيترك بعض الضباب الخفيف، أو حتى رائحة منه.
هذه الرواية هي خليط بين الفانتازيا، والواقعية، ولعب الكاتب لعبة سردية مُمتعة، فكان يكتب الفانتازيا كأنها واقعاً، والواقع كأنه فانتازيا، يمتزجا معاً، ولو حاولت أن تفصلهم لفشلت، ولما أصبحت الرواية على قدراً كبير من الجمال والمُتعة، ومصدر المُتعة في الرواية بالإضافة إلى الأحداث غريبة التركيب، والمبنية بغموض جلي؛ ثم يتضح، كان أيضاً الشخصيات، ومن يمتلك زمام الحكي، هو شخصية الطباع الذي يحكي الحكاية من منظوره الشخصي حيث أنه جاء في منتصف كُل الأحداث وساعدته وظيفته على الإلمام بها أيضاً.
بدأ الكاتب حكايته بجدار ثلجي هائل الحجم، يجب أن تتسلقه لتتمكن من رؤية الصورة الواسعة للحكاية، وهنا يأتي دور الكاتب، حيث بنى المسارات لكل شخصية، بحيث أن تلتقي جميعاً في آخر فصول الرواية، بمنطقية، وبحرص شديد، يجعلك حتى لو استشفيت الرواية، فلا زلت تستمع بالتفاصيل، وتُريد أن تقرأ الحكاية كاملة، السرد هنا هو البطل الحقيقي للرواية، في خلفية الأحداث والشخصيات.
لو سألتني ما الرسالة التي كان يُحاول الكاتب أن يقولها؟ سأقول لك ينبغي أن نقول أن هناك العديد من الرسائل، وحشية الإنسان؟ الخطر الذي يُهدد الحيوانات وإنقراضها؟ الموت الرحيم؟ روتينية العمل؟ مواجهة عادات المجتمع وأفراده؟ والعديد، ولكن الأجمل أن الكاتب لم يقوم بإيصال هذه الرسائل بمعلقة، ولكن كتبها بذكاء وخفة، لتلقطها من وسط الأحداث، دون أن تكون مُعقدة أيضاً، كم كانت ساحرة اللعبة السردية في هذه الرواية.
وأخيراً..
تعجبتُ كثيراً وأنا أقرأ أحداث الرواية أنها ليست رواية يابانية خالصة، لو لم أقرأ عن الكاتب من قبل الرواية، لأجزمت أن هذه الرواية أحداثها باليابان وتلك الشخصيات الباردة، ساقعة الملامح، هي يابانية بكل تأكيد، العديد من الأجزاء والمواقف جعلني أشعر بذلك، وليس فقط فكرة الأساطير بالرواية.
رواية مُمتعة ومجنونة في سردها، وأفكارها، قد يتعدد تصنيفها إلى العديد من التصنيفات، ولكن بالنسبة لي سأصفها أنها رواية أكثر من جيدة، وستجعلني أقرأ للكاتب مرات أخرى إن شاء الله.
بكل تأكيد يُنصح بها.