"لدينا جميعًا رغبات قاتلة، لكن هذا لا يعني أنًّنا مجرمون محتملون، فبين أفكارنا القاتلة وجرائم القتل ثمّة طريق طويلة، أو قفزة كبيرة، كما يقول فرويد. علينا أن نقوم بخطوة عملاقة كي نخرج من المستوى الأول لنسقط في المستوى الثاني. من منكم لم يرغب مرة في موت سائق متهوّر، وهو في زحمة السير؟ من منّا لم يرغب قطّ في الزجّ في الجحيم بشخص أبله يعرقل حياته، أمام صندوق الأداء في الصيدلية؟ إننا نعيش هذه الجرعات الصغيرة من الحقد الحضري الذي لا مناص منه في زحمة المدن الكبرى. جرعات حقد بريئة، تمر كأنها سحابة صيف".
رواية "جوج وماجوج" للكاتبة البرازيلية "باتريشيا ميلو"، هي رواية جريمة فلسفية، لاذعة، تنتقد الوجود البشري ووحشيته التي أصبح عليها، الطُرق الملتوية التي أصبح البشر يخوضوها لينجوا بأفعالهم الدنيئة، والمُنحطة، هي رواية واقعية إلى حد الجنون، وأنه رغم وجود جريمة قتل، إلا أنك لا تستبعد أن تحدث في أي مكان حولك.
معلم أحياء برازيلي، يبلغ من العُمر 54 عاماً، يعيش حياة رتيبة للغاية، ولكنه فجأة يجد حركات جاره الذي يقطن فوقه، تُزعجه بشدة، وعندما قام بشكوه العديد من المرات، زاد الجار في العناد، وأصبح يقصد أن يزعجه، ويسعى إلى ذلك، من أجل التسلية، ولأنه شخص صاخب، ويرى الحياة أنها سلسلة من الأحداث الضوضائية، ودونها، هو ميت. حسناً، لقد أصبحت ميتاً في نهاية المطاف، أليس كذلك؟
الرواية على قصرها، لا تتعدى مائتان صفحة، ولكنها نجحت في نقل تقلبات المشاعر، لراوي الحكاية، فهو ليس ببطلاً بكل تأكيد، بداية من النفور، إلى الانزعاج، إلى الغضب، إلى الهيجان والتصرف بجنون، ولكن الرواية، لم يكن همها الأساسي جريمة القتل، بالعكس، بعد عدة فصول قليلة، نعرف النتيجة، ولكن، النقد اللاذع لما يحدث في البرازيل، من القوانين الملتوية، وإضافة المرض النفسي كعامل فلسفي، يجعلك حقاً تشك وتتساؤل، هل راوي الحكاية مريض بالصرع الناتج عن الضوضاء أم لا؟ وهل هناك أجمل من مشهد المحاكمة وحواراته الفلسفية العميقة؟
رواية فاجئتني، ولم أتوقع أنها بهذا المستوى العال من الجمال، والتعقيد، والسخرية السوداء الماكرة، وبكل تأكيد يُنصح بها.