من خلال الغلاف علمت أن الموضوع له علاقة بالحبيبة فلسطين والتهجير ومع كلمة الغلاف تأكدت من ذلك وتمنيت لو حصلت على توقيع الكاتبة على الرواية.
وهنا لابد من ملاحظة أن العمل كبير الحجم "أكبر من 400 صفحة" وهو ما يعد القارئ بقراءة عميقة دسمة والآن نأتي للمراجعة بشكل مفصل ونبدأ مع القصة.
تتناول الرواية ملحمة حب وعشق ووطن بين الجميلة "جفرا" - وما يحمله الأسم من رمزية - وهي العائدة إلى وطن والدتها بعد أن عاشت تحت مظلة الغرب طوال حياتها، وشخصية "كنان" أو "عيسى" أو "ظريف الطول" وما يمثله من كل معان المقاومة والفداء والوطنية.
وقد تعمقت الكاتبة كثيرا في بناء الشخصيتين ومنحت كل شخص فيهم البناء الدرامي والتاريخي والجسماني وحتى العقلي المناسب.
وهناك العديد من الشخصيات المساندة الفرعية غير الكثيرة هنا وقد راعت الكاتبة كذلك العناية والإهتمام بها.
أما عن أسلوب الكتابة في الرواية فقد جاء مميز شاعريا في الكثير من الوصف وقد جاء السرد متينا طويلا جدا باللغة العربية الفصحى الفخمة والمصطلحات الجذلة والتشبيهات الرائعة بينما جاء الحوار بلغة فصحى كذلك إلا في بعض الأحيان تجد إقحام للحوار بلكنة فلسطينية وهو الأمر الغريب والمستنكر هنا وسوف نعود إلى تلك النقطة في السلبيات لاحقا ولكن بشكل عام قد جاءت اللغة وأسلوب الكتابة جذاب متناغم مع الموضوع والرسالة التي تريدها الكاتبة.
وهنا نأتي إلى الموضوع والرسالة الواضحة جدا في كل صفحة، نحن نتحدث عن حرب نفسية داخل "جفرا" حول الهوية ومفهوم الوطن والاستشهاد والمقاومة والاحتلال إلا أن وضوح الرسالة والفكرة والرمزيات جعل من النهاية حتمية واضحة في أول فصل من الرواية، تفتقر الرواية إلى الغموض والإثارة وعامل التشويق وكثير من عوامل الجذب، لقد راهنت الكاتبة على الموضوع وحده واللغة في جذب القارئ وهو ما يذكرني كثيرا بكل كتابات الكاتبة التونسية "خولة حمدي" التي تضع فكرة ورسالة ومن ثم تطلق العنان للقلم للتعبير والشرح من خلال تطور الأحداث والشخصيات.
ومن هنا ننطلق إلى تطور الحبكة الذي جاء هادئا بطيئا جدا في رأيي الشخصي واضح الإتجاه ومعلوم النهاية هناك العديد من اللحظات الطريفة ولحظات التنوير التي ساعدت الشخصية المحورية على الوصول إلى نهاية الرحلة واكتمال تطورها وسلوكها والمفاهيم والعبارات الخاصة ولكن هذا على نطاق شخصية واحدة فقط وهي "جفرا" بينما كل الشخصيات المساندة والفرعية جاءت ثابتة التكوين والأفكار وكأنها غير قابلة للتطور مع مرور الزمن مثلهم كمثل القضية نفسها.
وأخيرا هنا نتحدث عن القضية والأجواء والوصف العام والتي صنعته الكاتبة في الرواية اعتمادا على المعلومات التي وصلت لها وهي للأمانة كثيرة والدراسة واضحة والمجهود مثمر في كل صفحة.
لقد كان هناك اهتمام ملحوظ بالحياة الاجتماعية داخل فلسطين ومظاهر الزواج والمجالس ولكن ما نقلته الكاتبة يقتصر على حال بعض المنازل داخل القليل من القرى الفلسطينية فقط.
كنت أود هنا بشكل شخصي أن يتم التركيز على الحياة الاجتماعية والمعيشية عند أهل المدن وأهل الضفة وبيان الخلافات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية ما بين الشخوص على مختلف التوجهات ولكن الكاتبة قد نقلت رأيها ورؤيتها وموضوعها ورسالتها دون مكاشفة مع مختلف الآراء أو هذا ما رأيته عن نفسي وهنا نأتي للسلبيات.
يعتبر الملل والتكرار هو أكبر السلبيات في تلك الرواية الطويلة وهذا الملل نابع من تركيز الكاتبة على الفكرة العامة وتكرار الإسهاب في ما هو غير ضروري وشرح ما هو واضح ومعلوم للجميع عموما.
والسلبية الأخيرة هنا هي استخدام الحوار باللغة العربية الفصحى ثم التحول المفاجئ إلى اللكنة العامية الفلسطينية في بعض المواضع.
كان الأفضل عندي أن يكون الحوار كله بالعامية مع مراعاة تعدد واختلاف اللكنات العربية ما بين الشخصيات المختلفين في الثقافة والوعي والتربية وفي رأيي كان هذا سوف يضيف إثارة وتشويق ويسمح بمزيد من المواقف وترابط وحفظ المصطلحات والعبارات الفلسطينية.
وختاما لابد من ترشيح هذا العمل لكل قارئ يريد الإطلاع والمعرفة عن القضية الأشرف على وجه الأرض حاليا وقد استمتعت بالقراءة بها وتجديد العهد مع النفس.
#أحمدمجدي