❞ الضوء كالحلم. تمد يدها لتمسك ذرات الغبار السابحة في شعاع الشمس الداخل من بين ضلفتي الشيش المواربتين ❝
استهلال رائع وبسيط ولكن العبقرية تكمن في كتابة جملة بسيطة تسحبك معها لتتخيل فعل اعتدت على فعله صغيرا، فتجعلك تتوحد مباشرة مع المكان والزمان والشخصية ببساطة ..
ورطتني نورا ناجي بالعودة لأكثر من عشرين عاما إلى مدينتي طنطا حيث تدور أحداث روايتها الرائعة أطياف كاميليا.
ثم ورطتني بالبحث عن كاميليا، عن عنوانها القريب من بيتي، وأصدقائها، والأهم عن عمرها..
تساءلت كثيرا أي كاميليا كانت زميلتي في الدروس الخصوصية أو المدرسة؟ كاميليا الكبيرة أم كاميليا الصغيرة؟
أي كاميليا رأيتها عندما كانت تجمع لقاءات اتحاد الطلاب بين مدرستينا الأحمدية الثانوية وطنطا الثانوية بنات؟
أي جميلة ترتدي الزي المدرسي البيج والبني ممن كنا نراقبهم من شباك مدرستنا ونكتب لهم جوابات الغرام هي كاميليا؟
هل كانت في مدرسة السيدة عائشة الإعدادية أم كانت بمدرسة أخرى؟
هل تشاركنا أغنية عودوني ونور العين أم اننا عاكسناها بالصفارة المميزه لأغنية الحب الحقيقي في أثناء وقوفنا بعد المدرسة على كشك شرائط الكاسيت المضروبة في شارع عثمان محمد بينما نتصفح المجلات القديمة الملقاه على الأرصفة.
أنا أعرف كاميليا، وأعرف أهلها واعرف بيتها، وأكاد أجزم اننا التقينا مرارا فجمعنا ميكروباص أو تاكسي أخذناه من شارع البحر أو النحاس لمنطقتنا السكنية في بلاد ما وراء المحطة كما نطلق عليها
جعلتني نورا ناجي أعود لطنطا.. محطة القطار وميدان الساعه والسيد البدوي وشارع النحاس ومقاهي شارع سعيد، حتى رائحة الخضرة على الأرصفة في الصباح الباكر، ورائحة بسكويت الآيس كريم في عبد الفتاح مرزوق، والسير تحت البواكي في طريق العودة.
ورطتني نورا ناجي للعودة لذكريات كثيرة كنت قد نسيتها أو تناسيتها، حتى تلك الفتاة التي كنت أراقبها بينما تستند على العمود الكبير داخل عبد الفتاح مرزوق وتأكل الآيس كريم وحدها عدت لتذكرها وتذكر ملامحها.
والمدرسة الجميلة التي كنا نحبها كثيرا في المدرسة ونعشق حصصها، ربما لم تكن لغة عربية مثل كاميليا وسأترك الأمر لأصدقائي فهم يعرفونها ويعرفون اسمها حتى قصة حبها بأستاذ مادة أخرى وزواجهم يعرفونها. كنت احب هذا الثنائي لدرجة الجنون واحب حصصهم، كانا سببا من أسباب تفوقي.
أعرف ناصر وجمال. بالتأكيد درسوني في أثناء تواجدي في الأحمدية الثانوية، وربما كان أحدهم مشرفا لأحد الأنشطة التي تميزت بها – بالتأكيد ليس أستاذ جمال المنطو الذي كنا نكرهه ونكره مادته – ولكني أعرف كل شخصيات الرواية. حتى كريم ومحمد شباب السايبر عرفتهم وكنت أكرههم، وتشاجرنا كثيرا.
ونادية أعرفها جيدا وأعرف ما فعلته بكاميليا بل الأكثر من ذلك أعرف ما يدينها وما فعلته في حق كاميليا ولم تروه لنا نورا.
هذه الرواية بكل علاقتها حدثت بالفعل. في التسعينيات وفي الثمانينيات وربما لو بدلنا بعض الاحداث وطورناها قليلا لوجدناها تحدث الآن.
أنا أعرف كاميليا، واعرف مآستها وعشت كل تفاصيل حياتها سمعت مشاكلها قبل قراءة الرواية فشوارع طنطا تجمع مليون كاميليا ومصر بها ملايين الشوارع،
في كل شارع بمصر توجد كاميليا ونادية وصفاء ويوجد جمال وناصر. هذا ما أرادت لنا نورا معرفته.
كل العلاقات الابوية والاخوية المعقدة. كل التعاملات بين الإباء وبناتهم وبين البنات وبعضهن. ماهية العلاقات ومن يقودها ودور المجتمع في إحباطها وفي توجيهها والسيطرة عليها.
أجابت على الأسئلة التي راودت الأسر المصرية في التسعينيات وهي الفاصل في مرحلة تحرر المرأة. كيف نربي بناتنا هل نربط الحبل أم نرخيه؟ علاقات الحب داخل المنازل الضيقة والحارات التي لا تدخلها الشمس؟ الهروب من الضيق إلى البراح؟ من طنطا الصغيرة الجميلة الهادئة إلى صخب القاهرة وابهارها،
لم أكتب مراجعة للرواية واعتقد أن هناك مئات المراجعات كتبت لتلك الرواية، ولكني أردت تسجيل حبي لرواية دارت احداثها في شارعي ومدينتي ومدرستي، أردت أن أشكر نورا لأعادتي إلى فترة زمنية عشقتها واشتقت اليها، إلى الأماكن التي انتمي اليها،
هذه الرواية ممتعة لكل الطنطاوية، يجب على كل طنطاوي تجاوز عمره الثلاثين قرائتها.