"الخوف اشد من العقوبة.. لان العقوبة محددة دائماً مهما كانت خطورتها"
بهذه الجملة المُنجزة يمكن أن نلخص الحالة المقبضة والمهيبة من الحوار الذاتي الداخلي لإرينا الزوجة والأم والعشيقة التي وقعت في شراك النزوة لكنها باتت تعاني من ويلات الانكشاف لفترة كبيرة يتضخم داخلها الخوف حتي كاد يلتهمها ويحرق اعصابها بل حياتها بأكملها.
الخوف كعقوبة في حد ذاته هذا التوجس من أن ينكشف الامر ورد فعل الزوج القاضي رجل القانون الفطن الذي لا تفوته شاردة او واردة وهل شخصيته وقوته وقسوته كما تراها في بعض الاحيان تسمحان لها بالتوسم في محبته وتسامحه ام ان الامر صدر حكمه مسبقاً بالاعدام علي علاقتهما وما مصير الاولاد والبيت وهل يمكن أن تصبح هي سبب هدم البيت والحياة لهذه الاسرة المترفة؟
هل الغنى والترف نقمة حين تصبح عرضة للابتزاز والاستغلال وهي ما تعانيه من استغلال وضغظ نفسي يمكن أن يحولك عن خطتك وعن هدف وهل المكاشفة هي الحل كي تخرج من سجن الخوف إلي ألم الدمار والبكاء على انقاض البيت والاسرة والحياة المنعمة؟ أم ان الخوف يبعثر افكارك ويقوض تصرفاتك ويفقدك القدرة على التفكير السليم ويجانبك الصواب في كل افعالك ويجعلك ترى الناس من زاوية معاكسة للحقيقة؟.
الاثر النفسي للخوف ودقة وصف المشاعر كعادة زفايچ والتي اصبحت هواية وغاية من قراءة روايات قصيرة مكثفة ومفعمة بالمشاعر وتراكيب الخوف والرهبة مع الحب والامل والرعب والالم وتصارع الامومة مع الشباب مع رعونة الشهوة وحكمة الصفح.. المزاج المكدر بالقلق والنفس المشوبة بالوجع النفسي.. كل هذا الخليط من المشاعر المُصاغة بحرفية ممتعة ومتعبة تجعلك تتسابق كي تلتهم السطور بحثا عن مشهد يمنحك استراحة لالتقاط الانفاس في خضم الرهبة والفزع.
لطالما استمتعت بالتفاعل النفسي مع ابطال روايات زفايچ الفرصة التي يمنحها لك بكل بساطة أن تغوض داخل اعماق نفس بشرية أخري في حالات ربما لا تتمنى ان تحياها علي الاطلاق لكنك تشفق على من عاشها من فرط دقة الوصف وفصاحة التعبير عن المعاني الانسانية وكأنك تجلس امام طبيب نفسي او حكيم يُشَرِّح خبايا الانسان وما يعتمل في رأسه ونفسه من اوجاع ومعاناة حتي وإن بدى لك متماسكا من الخارج.
في نهاية الرواية يمنحك استراحة او ربما فرصة للهدوء وكأنها تهيئة لما انت مقبل عليه من تحول في مجريات الاحداث التي لهثت لتلحق بنهايتها.. كي ترى رد الفعل الذي خشيته مع إرينا منذ أول صفحة.. والذي تخيلته بعد معاقبته لإبنته واصراره على منحها فرصة للبوح لكن هل يحاسب الخائف على عدم إدراكه لما حوله وهل لهذا الشعور-الخوف- تلك السطوة والغشاوة علي إلتقاط خيوط الامل أو رسائل التنبيه.. ؟
الجوانب الخفية من الشخصيات والتي ربما تغيب في زحام الحياة وتوقعنا لعدم وجودها فقط لاننا لم نختبرها بعد يجعلنا نجزم أنها غير موجودة؟،المواقف تحكم والسطوة للرصيد السابق من المحبة الود وكيف يمكن للخائف أن يطمئن لمجرد احساسه بوجود العون ولو بالتواجد الصامت فقط وليس الفاعل.. فالفعل هنا ابلغ من ان يُوصف او يُجسَّد بالكلمات.. فقط المعنى اذ التقطته فبها ونعمت واذ فاتك فللأسف عليك المحاولة مرة أخرى لأنه لا يمكن شرحه او توصيفه.
*اقتباسات*
ان كنا نتألم فعلى الاقل لدينا الحق في الصراخ
الخوف اشد من العقوبة.. لان العقوبة محددة دايما مهما كانت خطورتها
توقف قلب إيرينا عن النبض وأخذت أعصابها ترتجف كأوتار مشدودة.
وقد تطهر دمها كما تطهر الارض بعد العاصفة
**تحذير حرق**
كيف يمكن ان يكون الصفح جميلا هكذا هذه الزفرة التي انسابت بسهولة في آخر السطور.. هل لأنه فرغ شحنة الغضب منها وأنه اقنعنا ان الخوف في حد ذاته عقوبة ام انه كسب رهانه في استلاب تعاطفنا معاه بهذه البساطة والسهولة من أول جملة.. كيف لزوجها بهذه الخدعة الصعبة ومحاولاته للتماسك ومنحها فرص للمصارحة والمكاشفة لكنها لم ترى من شدة الخوف او ربما من عدم توقع الجانب الحنون منه الذي يخفيه دايما وراء الطابع القانوني الصارم الذي اكتسبه بالطبع من عمله.