عرف الأدب العربي قديمًا فكرة المعارضة أو المحاكاة في الشعر، التي تقوم على فكرة أن يحاكي شاعر فكرة شاعر آخر فيأخذ وزن القصيدة وقافيتها ويعيد صياغتها، وربما يغيِّر من تفاصيلها أو ينقضها تمامًا، وهو ما عرفناه لدى أحمد شوقي وغيره من الشعراء. أما المعارضة أو المحاكاة الروائية فهي غير شائعة في الأدب العربي، ربما يذكر البعض أن الروائي الكولومبي جابريل جارثيا ماركيز كتب «ذاكرة عاهراتي الحزينات» تأثرًا ومحاكاة لرواية الياباني كاواباتا «في منزل الجميلات النائمات». ولكن لم نعرف في أدبنا العربي الحديث فكرة المعارضة الروائية على هذا النحو.
ذلك أنه في هذه التجارب يبقى التحدي صعبًا والمقارنة واردة دائمًا بين الأصل القديم والنص الجديد، ويثور تساؤل ما الجديد الذي سيضيفه الكاتب اللاحق على السابق؟! وربما كان من المألوف أو المعتاد أن يكتب الروائيون عن شخصيات تاريخية أو أدبية أو ثقافية، يستحضرونها في كتابتهم ويقيمون عليها عالمهم الخاص، مستفيدين بما يعرفون من معلومات تاريخية عن هذه الشخصيات، على نحو ما فعل طلال فيصل في رواية «سرور» أو«بليغ» وغيرها.
ما الذي يحدث لو اقتبس الكاتب شخصية من رواية، وبث فيها الروح، وخلق لها عالمًا جديدًا؟ هذا رهان جديد في الفكرة والأسلوب والتنفيذ، هل يمكن للكاتب أن يعيد خلق وبناء شخصية أخرى، بل إحيائها من جديد ووضعها في زمنٍ غير الزمان ومكان غير المكان الذي كانت فيه؟!
هذا ما يفعله هنا عمرو العادلي باقتدار، منطلقًا من المشهد الأخير الذي ترك كنفاني أبطاله فيه وقد أوشكوا أن يفارقوا الحياة في الخزان، لينتشل واحدًا منهم، هو الشاب مروان الذي يبدو أكثرهم قدرة على مواجهة صعاب هذه الحياة، لينجو فجأة ويخوض حياة جديدة، ويكتب له عمر جديد وتجربة مختلفة.
يكتب لمروان النجاة من الموت الأول في الخزان تاركًا رفيقيه أبو قيس وأسعد، ولكن يبدو أن الموت يطارده في كل مكان، تتغيَّر الظروف والأحوال بل ينجح في الوصول إلى مصر بالفعل مع منصور السائق المصري، ويتعرَّف هناك على مريم التي تبدو حلمًا بعيد المنال، ولكن الظروف تتغيَّر عليه مرة أخرى ويصبح الموت على بعد أمتار منه من جديد!
...............
مقالي عنها على إضاءات
****