عندما تبحث سفينة القلب عن مرسى أخير ...
□□□□■□□□□■□□□□■
"للقلب مرسى أخير" هي رواية شديدة العذوبة، للأديبة المبدعة الدكتورة رشا سمير، رحلات حائرة تأرجحت بين مدن وأماكن وشخوص وحكايات ومشاعر.
أبحرت سفينة الرواية بين شطآن الحكايات بنعومة خلابة وبحكي رشيق، وكانت خطوط الدراما تتلاقى في نقاط تقاطع بديعة، لتتضح لنا صور متعددة من المعاناة المكتومة والأسى الكامن والألم الدفين، كانت سفينة الرواية تبحث عن المراسي الحائرة التي تتوق لها النفوس.
كانت حكاية نهاد أو "ناني" بطلتنا مع حياتها البلاستيكية الجافة ذات الألوان الزائفة، زوجها الذي يرى أن الحياة وُجدت من أجله وأن العالم يدور حوله، وحكايات منال صديقتها ورنيم غريمتها، وابنيها، وابنتها التي فقدتها.
وقد تقاطعت حكاية نهاد مع حكايات الباحثين عن مراسي للقلوب، وتشابكت حولها كل خيوط المعاناة والألم في كل الحكايات، ورأت كيف تتسرب أيام وسنوات الحياة من بين يديها بكل بساطة كما تسربت من بين أيادي شخصيات الحكايات التي قابلتها، ولا يوجد من يوقف هذا النزف والخسران، ومثلما وجدت الألم والضعف، وجدت أيضاً أنواعاً من القوة الخافية.
وجدت قوة الحلم والتحمُّل في حكاية مريم مع أحلامها في رقص الباليه، من النجاح المدوي فوق خشبة مسارح ڤيينا، وحلم مدرسة الباليه بلبنان، ثم الوصول إلى نيويورك، ثم المرض والمعاناة، حتى أصبحت مخزن آلام متحرك، تظن أنها ظلمت الآخرين ونفسها، ولم يبق لها سوى الصبر.
ووجدت قوة عشق الحياة في حكاية سهى مع جراحها الموجعة بسبب الهجران، ثم الانكسار، ثم اللامبالاة واللهو العابث الذي يخفي وراءه كل المبالاة والحس الإنساني الرهيف.
ووجدت قوة الشغف والحنين في حكاية نزار مع وطن جريح وأحلام مجهضة، عندما يضطر للرحيل من سوريا حاملاً وطنه بين ضلوعه، تاركاً رائحة الألم والدم، وتاركاً حياته، يبحث عن شغف جديد، مع جيتاره وموسيقاه، ونداء العودة الذي لم يستطع مقاومته.
ووجدت قوة الإصرار والعزيمة في حكاية ياسين مع طموح وأحلام شغوفة في هوليوود، وتحقيق الكثير منها، ومرتفعات ومنخفضات الحياة، ثم نفق ضيق من النور، ثم ظلام دامس، حتى لم يعد لديه سوى الوحدة والظلام.
ثم وجدت قوة العطاء في حكاية شروق، عندما استبدلت بحياتها، أنهاراً من العطاء، والتفرغ لقضايا إنسانية عادلة.
وهكذا، مع كل حكاية تنضح بالمعاناة والألم، يكمن داخلها نوع من القوة الخفية، التي تجعل الحياة قابلة للاستمرار، كان عليها أن تحدد نوع الألم الذي ستقبل تحمله، وتختار نوع القوة التي ستحمي ما بقي من حياتها.
لقد جاءت نهاد من ميناء حياتها حيث شاطئ الجفاف، شاطئها، ثم شهدت كل المواني وتألمت في كل الشواطئ، في شاطئ الصبر مع مريم، وفي شاطئ الجراح مع سهى، وفي شاطئ الحنين مع نزار وفي شاطئ الظلام مع ياسين، وكان كل واحد يبحث عن مرساه الأخير.
في الصفحات الأخيرة التي تقطر عذوبة وشجن، أوصل كل واحد سفينته إلى مرساها الأخير، وقررت نهاد أن تعيش على شاطئ الأمل، وأن تجد لسفينة قلبها مرسى تحت سماء أخرى، ربما تأتيها بالسعادة.
ناصر اللقاني