💡 قراءة في رواية فردقان، ليوسف زيدان 🇪🇬، بقلم: حسين قاطرجي
يستهل الكاتب يوسف زيدان روايته بالاقتباس الجميل عن ابن سينا (لما غلا ثمني عدِمتُ المشتري)، وربّما يقتدي حالُ زيدان بحال ابن سينا بأنّه سيعدم المشتري قريباً.
▫️إنّ المتتبع لأعمال يوسف زيدان الفكرية والأدبية يعرف أنّه يلتزم طبعاً أو سلوكاً يفتقر إلى الحكمة والحصافة وهو تهييج الرأي العام من خلال مؤلفاته وحتى بمنشوراته على المنصّات الإلكترونية، لايعنيه في ذلك إن حاد عن الأدب في وصفه لصلاح الدين الأيوبي بالشخصية الحقيرة أو وصم حياة هارون الرشيد بالسفاسف والمياعة، أو تسفيه فكر عمالقة الأدب العربي والإسلامي، وحسبه أن يوسعه القرّاء والمحققين لوماً فينال بذلك شهرةً إضافيةً وبيعاً متزايداً لكتبه ورواياته. (تابعوا في يوتيوب على سبيل المثال لقاءه مع قناة المحور ضمن برنامج 90 دقيقة وسترون منه العجب).
▫️بالعودة إلى رواية (فردقان، اعتقال الشيخ الرئيس). وجدّتُ (زيدان) في هذه الرواية كمن بلغ ماء الفرات العذب الزلال وبدل أن يشرب منه بال فيه، فالكاتب (زيدان) وقف أمام شخصيةٍ عظيمةٍ في التاريخ العربي والمليئة بالسحر والحكمة والغموض، فترك جلّ انجازات الرجل وأثره في حركة الفكر والتاريخ وجعله سكّيراً مغناجاً يطيح النغم بوقاره، وتنزله عن قمة اللياقة ضحكات الصبايا وغمزاتهنّ اللعوب!!
▫️تنطلق أحداث الرواية من ساعة وصول (ابن سينا) وهو ابن اثنين وأربعين عاماً إلى القلعة الفارسية (فردقان) مُبعَداً منفيّاً من همذان بأمرٍ من الأمير (سماء الدولة)، بعد أن أوغر صدره عليه رجالات القصر الذين أزعجهم تدخل ابن سينا في أمر الجند وصلاته المحتملة مع (علاء الدولة بن الكاكويه).
▫️يتابع الشيخ الرئيس تدوين مؤلفاته خلال اعتقاله في فردقان، ويخصّص جزءاً من وقته لتطبيب مرضى القلعة من الجند والسجناء، وخلال هذه المدة يسترجع من خلال أحادثيه مع المزدوج والزعّاق وشيخ الرستاق أحاديث الطفولة واليفاعة، وهنا يجول الكاتب بقرّائه بمدن الشرق القديم على لسان (ابن سينا) ويحدثهم عن صراع الدول والملوك والدسائس التي أسفرت حروباً طاحنة شتّتت العوائل ودمرت العمران. والمتتبّع لسير الأحداث سيكتشف أخطاءً كارثية وقع بها الكاتب تتعلق بأزمنة الحروب وتاريخ ولادة ابن سينا ويُتمه وأسفاره.
▫️يُقحم زيدان فتياتٍ ثلاث في حياة ابن سينا (سندس، روان، ماهتاب)، وبغض النظر عن صحة العلاقة التي تجمعه معهنّ فإنّ زيدان أساء لرصانة ابن سينا ورزانته كفيسلوفٍ وطبيبٍ حكيم في دخوله لأعمق تفاصيل العلاقة الجنسية، ولكنّ في الوقت نفسه يمكن اعتبار أنّ هذا الجزء أنقذ الرواية من الترهّل وبثّ فيها نشاطاً يستدعي القارئ للمتابعة ظنّاً منه أنّه يطّلع على الجزء المخفي من حياة الشيخ الرئيس.
▫️ختم زيدان روايته بطريقةٍ مُحببة إليّ جداً كقارئ، هذا النوع من (الخواتيم) من غير الميسور على الروائيين إداركه، لقد وضع زيدان قرّاءه في نسيجٍ من المشاعر ، الخوف من حربٍ وشيكة كأنّها اندلاع القيامة، وفراقٍ أليم بين حبيبين يُشعل اللهفة في جوف الفؤاد، والقارئ بين هذا وذاك ينشغل قلبه في تفاصيل الحدث الغائب المنشود فيُفاجئه الراوي بأن يختم قصته على ذلك.
▫️أعترف جهراً أنّ لغة الرواية ينبوعٌ ثرٌّ من الديباجة والبلاغة، لقد استخدم (زيدان) لغةً غنائيّةً بعذوبتها تألفها الأذواق، وبشاعريتها تتهيّج الأشواق، وبجذالتها ينضبط السياق، لقد التزم الكاتب أعلى نمطٍ من الرقيّ اللغوي فكانت (فردقان) عملاً أدبياً يتطلّع بلغته نحو الكمال.
▫️من مساوئ (زيدان) أنّه يعتبر قرّاءه بأنّهم سدنة الجهل وحرّاس التخلف، وأنّه وحده مالك مفاتيح التاريخ فيقدّم لهم وجبةً تاريخيةً منزوعة الدسم كما في هذه الرواية، أو يعيد صياغة رواياتٍ قديمة بأسلوبٍ لغويٍّ بديع مقنعاً نفسه أنّ الشعب العربي لا يقرأ (للإبحار في هذه النقطة أنصح قراءة روايته "عزازيل" ومقارنتها صفحةً بصفحة برواية "أعداء جدد بوجه قديم" التي نسخها فوتوكوبي بشكل حرفي)، وهو في ذلك لايخرج عن عباءة (جرجي زيدان) (لاحظوا الصدفة العجيبة في تشابه الكنية)، الذي أسقط نفسه أيضاً في تحوير التاريخ برواياته المُتخيّلة التي تحكي سيرة أكابر رجالات التاريخ الإسلامي بقصصٍ تغوص في الوهم لا في الواقع وقد أجاد الكاتب الراحل شوقي أبو خليل في الرد عليه بكتابه القيّم (جرجي زيدان في الميزان).
▫️صدرت فردقان عن دار الشروق في 315 صفحة من القطع المتوسط، وهي رواية قريبةٌ من جواهر اللغة والبلاغة، لكنّها بعيدةٌ عن تاريخ ابن سينا المعروف.