للمرة الثانية تُدهشني قدرة "إسلام أبو شكير" على التكثيف والتمكن من أدواته وإجادته على قول الكثير في القليل من الكلمات، والأحداث، ذلك الاختزال غير المُخل، فلو أخبرتك أن هذه الرواية ذات الـ 103 صفحة فقط تحتوي على مواضيع عدة، ورمزيات هائلة بداخلها، تُركت لك لتُفككها، على حسب رؤيتك وقدرتك على الخيال، فتتلاقى نقطة الفانتازيا الذي يضعها "إسلام أبو شكير" في رواياته حتى نختبر أفكار مجنونة خيالية ولكنها ترتبط بالواقع بشدة ولا تكاد تفصلهما عن بعضهما.
تبدأ الرواية بأربع أشخاص في غرفة فارغة، لا يعرفون شيئاً عن بعضهم، ولا يجدون إلا حوائط الغرفة تُطالعهم في صمت، ولا يعرفون كيف وصلوا إلى هذه النقطة من الأحداث؟ هل خدرهم أحد؟ اختطفهم؟ يد عليا تتحكم فيهم؟ يتسائل الراوي بكل ضعف ووهن أنه لا يستحق كل ذلك الجهد المبذول في تعذيبه، فإشارة واحدة بإصبع كافية ليكون رهن تصرفهم، هو أقل من ترس صغير في ماكينة هائلة تفرمه فرماً، وتتوالى الأحداث ويتعارف الأربع شخصيات على بعضهم، ويتوالى خلق الأشياء في الغرفة، خلق جعل حياة الأربعة رغيدة ومُيسرة، يزداد ويقل المخزون على حسب اليد العليا التي تتحكم بهم، وفي وسط الأحداث، وأنت تُحاول أن تفهم ماذا يحدث؟ تخبطك الإجابات -ليس كلها بالطبع- توالياً، وتفهم أن هذه الرواية أكبر مما بدأت عليه، وسطورها تقول أكثر من الظاهر، وإذا شعرت أن رمزيتها / رمزياتها عن شيء واحد فلنقل مثلاً: الحرب؟ فستجد أنه ينطبق على التدجين أيضاً وطريقة تعليب المجتمع على أهواء السلطة وجعل الشعب مجرد أداء تُسبح بحمد السلطة، ستجد الرمزيات تتوغل في كل شيء حولك، فكرت لوهلة أن الكاتب يُرمز الندم على اختيارات العمر واختلافاته والطرق التي سلكها طوال درب حياته، وأشياء أخرى لم تكف عن أن تطأ ذهني لتُشعله.
والجميل في هذه الرواية القصيرة أن كل شخص سيخرج منها برؤيته، أو بفكرة مختلفة عن الأخر، رمزيات مُتعددة ذات طبقات مُختلفة ومُتداخلة، ولكن، ما أضمنه لك أنك ستجد الألم بداخل كل طبقة.
3.5/5