" كنت أكتب إليك لأملأ انتظاري فأنا لا أعرف كيف يتصرَّف الناس الذين ينتظرون ، كنت سأقول لك كيف أنِّي لا أنتظر، أعني حتَّى عند طبيب الأسنان أعني أنِّي، وأنا انتظر أنام. أغفو فعلًا. لم أكن هكذا من قبل، كنت نافدة الصبر وأتوتَّر حين يتأخَّر مَن واعدني، وأروح أرصف في رأسي كلماتِ العتب أو الغضب. صرت منذ مدَّة أنسى من أنتظر ولماذا أنتظر من أنتظر، ثمَّ تثقل جفوني..
وإن كنت في مقهًى، مثلًا، أُغرق رأسي بين كتفيَّ وأنزل، أغوص في الكرسيّ، وأضع حقيبتي على بطني كمن يتلحَّف بغطاء، وأنام ليس نومًا كذلك اللَّيليّ العميق، بل غفوًا إلى الداخل حيث يختفي النهار الخارجيّ تمامًا أو كحال السُّكْر الشديد…
سأرغي بالكلام لأسلِّيك، وأيضًا لأنَّك ستسألني إن كنتُ ضجرتُ وأنا أنتظرك، مرتبكًا ومعتذرًا عن التأخير بسبب العواصف الثلجيَّة ربما.. إذ ما الذي ستجده من كلام حين تدخل الغرفة وتنظر إليَّ، ثمَّ تراني، هكذا وحدي!
وأنا كنت سأبحث كيف أُطلق كلامي، ومن أين، مَنْ ينتظرْ يعرفْ شيئًا ولو يسيرًا عن الشخص، أو الشيء، الذي ينتظره، يفكِّر فيه فيتسلَّى قليلًا لا لأنِّي لا أعرف شيئًا عنك بالمرَّة، بل إنَّ ما أعرفه قليل جدًّا، وعتيقٌ، وغير مستقرّ في ذهني. ثمَّ، حين أستحضرك، أضيع بين ذكرياتي واختراعاتي. أتوتَّر قليلًا ولا أتسلَّى. قد تجد ذلك غريباً..
لكنِّي، صراحة، لم أعد أتسلَّى إلَّا حين أكون وحدي. حتَّى حين أخرج من بيتي أنتقي موسيقى أحبّها لأبقى قليلًا وحدي، ولأنِّي حين أعود سأسمع الموسيقى، وأنا أدير المفتاح في قفل الباب، وأقول في نفسي إنَّها هي نفسها الموسيقى، موسيقاي، وإنَّ أحدًا لم يدخل في غيابي ويحرِّك الهواء..
وإنِّي، إذن، كنت وحدي في الداخل ولم أضجر شيئًا فشيئًا، ويومًا بعد يوم، صارت الوحدة بذخًا كاملًا؛ مُلكًا عظيمًا، الوحدة في هواء لا يتنفَّس فيه أحدا سواي.. "
🍂
- هدى بركات
- رواية بريد الليل
بريد الليل > اقتباسات من رواية بريد الليل
اقتباسات من رواية بريد الليل
اقتباسات ومقتطفات من رواية بريد الليل أضافها القرّاء على أبجد. استمتع بقراءتها أو أضف اقتباسك المفضّل من الرواية.
بريد الليل
اقتباسات
-
مشاركة من Mohamed Khattab
-
صار يؤذيني أن اسمع رجلاً يعدني بحبه (الى الأبد ) . يشعرني بالذعر ، أذا هو لا يترك لي مجالاً لأن أغير رأيي ، لأن اتغير ، كالحكم بالسجن المؤبد . ماذا بو كففتُ انا عن حبه (الى الأبد ) ؟
مشاركة من Meme Basim -
"لكن كل إنسان في العالم فيه جانب بريء حين يقف أمام أمّه أمام أمه يعود ولدًا؛ ذلك الولد الذي غادره من زمان وتركه في النسيان".
مشاركة من أٻو حمېد ★ -
لو تأتين الآن لنسينا كل شيء معًاسأقول لك:
قفي قربي وراء النافذة، ولننظر معًا عبر الزجاج إلى هذا الليل الجميل، إلى المدينة تتمطى تحت أضوائها وتتمدد في النعاس اقتربي مني ودعي كتفك تلامس كتفي، كأختين صغيرتين تتفرجان سرًّا عن أهلهما على الليل.
مشاركة من أٻو حمېد ★ -
“أنا حزينُ فعلاً، إذ أكتبُ اليكِ عن تردُّدي، عن رَاوحِي و مَجيئي بينَ راحة التخلصِ منكَ وبين مأساة خسارتك و فَشلِنا معاً.”
مشاركة من أٻو حمېد ★ -
"و أكثر ما أخشاه هو الندم و الأسى على الفرص التي تضيع في الصمت و الإنكار، حين نرى أن الأوان قد فات و صار لقاؤنا مستحيلًا."
مشاركة من أٻو حمېد ★ -
"كنت أكتب إليك لأملأ انتظاري. فأنا لا أعرف كيف يتصرف الناس الذين ينتظرون."
مشاركة من أٻو حمېد ★ -
"إنّ المال يقفل الأفواه و يمدد المهل، بل يركب القوانين."
مشاركة من أٻو حمېد ★ -
لا يهم أن أعرف عنكِ أكثر مما عرفت من الوهلة الأولى التي رأيتكِ فيها ولا أسكت لأني لا أريد أن أترك لك نافذة مفتوحة على الحميمية فالحميمية ورطة والكلام بالصوت المنخفض بين رأسين متقاربين من نوع الاعترافات لكسر العزلة وإبعاد الوحشة عن قلوب كائنات حساسة.
مشاركة من أٻو حمېد ★ -
كلما قرأت عن سعادة استرجاع الطفولة، عن براءتها وما تترك في النفس من عذوبة وحنين، ذُهلت، وملأت خياشيمي رائحة الروث الموحل، وغشت عيني أغبرة ممزوجة بالعمش اللاصق الدائم
مشاركة من zahra mansour
السابق | 2 | التالي |