"أنتم على بعد ساعات من تحقيق حلمكم بالعودة إلى أرض الميعاد، إلى أرض اللبن والعسل، إلى إسرائيل الكبري، حيث تنتهي الآلام بالخضوع لمشيئة الرب. التعب الذي قابلتموه بصبر المؤمنين (…) لم يكن سوى امتحان من الرب لمدى تعلق أفئدتكم بالأرض المقدسة." - رغوة سوداء للكاتب الاريتري حجي جابر 🇪🇷
هي بامتياز رواية الهويات المأزومة والشتات المفروض على جماعات بعينها، إذ يطل علينا بطل الرواية الأريتري الفار من جحيم بلده بأسماء مختلفة وشخصيات متباينة يحاول من خلالها الانتماء لبلدان وأوطان وعقائد تتبدل باستمرار، فيكذب ويلفق سير شخصية تتطور وتتعقد إلى الحد الذي يبدو معه الرجل وقد فقد أي ارتباط بالواقع.
لا يمحي هذا التماهي ندوب الذاكرة، فالرجل يعرف أنه من "ثمار النضال" المحتقرين في أريتريا، أي ولد من علاقة غير شرعية لأب وأم مجهولين أثناء الحرب وانضم منذ صغره إلى العسكر، إلى أن اضطر للهرب إلى مركز لاجئين في أثيوبيا أملاً في الحصول على حق اللجوء في دولة أوروبية. ومع تعثر خطته، يتحول مساره تماماً حينما يتعرف على خطة حثيثة لاستقدام يهود الفلاشا الأثيوبيين من قِبَل إسرائيل، فيعمل على تزوير هويته ويلجأ إلى الرشوة كي يثبت يهوديته، وصولاً لتحقق الحلم بالرحيل عن أفريقيا والمعيشة في القدس. هناك، في القدس، تلاحقه العنصرية من طرف اليهود البيض وكذلك الفلاشا الذي يرون في الإريتريين "عبيداً" لا يحق لهم التواجد في أرض الميعاد.
يصف حجي "طقوس" إدماج الفلاشا في المجتمع اليهودي (وفشل إسرائيل في احتواء التعدد العرقي لليهود، ناهيك عن غيرهم)، كما يصف وضع الأفارقة الآخرين من أصول تشادية وسنغالية وسودانية، وتباين المصير بين الوافدين من القارة الأفريقية، إلا أن أبدع ما في الرواية هي قدرة حجي على استنباط محددات تلك المصائر على خلفية الظروف المحيطة بشخوص الرواية.
كنت قد قرأت "رامبو الحبشي" لذات المؤلف، والتي أطربتني كثيراً، إلا أن هذه الرواية -في تقديري- أكثر نضجاً وأعظم زخماً.
#Camel_bookreviews